هل يقع الترادف في القرآن الكريم؟

ـ[عبدالعزيز العمار]ــــــــ[08 صلى الله عليه وسلمug 2008, 11:32 م]ـ

تباينت آراء العلماء قديماً وحديثاً في الترادف بين نفيه وإثباته؛ فهم ما بين مقرٍّ له جامع تلك الألفاظ المترادفة - في نظره -، وبين منكرٍ له سعى جاهداً لإظهار الفروق بين تلك الألفاظ التي قيل بترادفها، رافضاً كل رأي يقول بترادفها، واتحاد معانيها.

وقبل أن أذكر أقوالهم في ذلك، والرأيَ الراجح الذي يتوافق مع الأسلوب القرآني في توخيه لألفاظه وانتقائه لها لتأدية المعنى المراد، يحسن قبل ذلك تعريف الترادف حتى ننطلق في دراستنا على بيِّنة ووضوح.

التعريف اللغوي للترادف

فالمعنى اللُّغوي لمادة (ر د ف) تدل على اتِّباع الشيء، فالترادف: التتابع (1)، والرِّدف: التابع، والرَّديف: كل ما تبع شيئاً (2)، يُقال: جاء القوم رُدَافى: أي بعضهم يتبع بعضاً، وهذا أمرٌ ليس له رِدْف: أي ليس له تَبِعة، وأردفت النجوم أي: توالت وتتابعت، والمُرْدفان: الليل والنهار. (3)

ومن هذه المعاني اللغوية التي تشير في مجموعها إلى التتابع والتعدد يظهر معنى الترادف الاصطلاحي، فهو - كما عرفه ابن فارس - ((اختلاف الألفاظ، واتفاق المعانى، أي يُسمى الشئ الواحد بالأسماء المختلفة، نحو: السيف والمهند والحسام)). (4)

ويزيد الدكتور رمضان عبدالتواب في حَدِّه قائلاً: ((الترادف ألفاظ متحدة المعنى، وقابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق)). (5)

فالترادف إذن أن تتعدد الألفاظ وتكثر والمعنى واحد، فالألفاظ وإن تتعددت واختلفت إلاّ أنها تدل على معنى واحد، بل يصح أن تقوم كل لفظة في مقام الأخرى، كما نرى ذلك في تعريف الدكتور رمضان، فهذا هو معنى الترادف، وهذا الذي اختُلف فيه مابين مثبتٍ له ومنكرٍ لوجوده.

حجج المثبتين:

وقد احتج العلماء المثبتون للترادف (6) فيما ذهبوا إليه: ((أن أهل اللغة إذا أرادوا أن يُفسروا "اللُبَّ " قالوا هو: "العقل"، أو"السكب" قالوا: هو: "الصب"، وهذا يدل على أن "اللُبَّ " هو "العقل" عندهم، وكذلك "السكب" و"الصب" وما أشبه ذلك)) (7)، فهذا هو دليلهم في هذه المسألة، وذلك أن أهل اللغة ما قالوا إن "اللب" هو "العقل" إلاّ أن معناهما واحد، ولو كان في كل لفظة منهما معنى ليس في الأخرى لما صحّ منهم هذا الأمر، وكان هذا التفسير خطأ. (8)

حجج المانعين:

ويقابل هذا الفريقَ فريقٌ آخر ينكر وجود الترادف ويردُّه (9)، ويذكر الفروق بين الألفاظ التي قيل بترادفها، ويظهر رأي هذا الفريق من خلال أمرين:

الأمر الأول: ورود مقولات لهم تردُّ الترادف وتُنكره، ومن ذلك: قول ابن فارس بعد أن ذكر تعريف الترادف - وقد تقدم ذكره - قال: ((والذي نقول في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب كالمهند والحسام صفات، فمذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى)). (10)

وكذلك ابن الأنباري يؤكد هذا الأمر حينما حكى في كتابه "الأضداد" قول ابن الأعرابي ((كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمُض علينا فلم نلزم العرب جهله)). (11)

وكذلك ابن درستويه ينفي هذا الأمر، ويذكر أنه من المحال أن تكون هناك لفظتان مختلفتان ومعناهما واحد، ويذكر أن بين الألفاظ فروقاً في المعنى، ولكنها قد تخفى على بعض مَن يسميها. (12)

الأمر الثاني: الذي يدل على ردِّ كثير من العلماء الترادف ما أفردوا فيه من التصانيف مبينين الفروق بين الألفاظ، وما تختصُّ به كلُّ لفظة عن الأخرى بمعنى، وبما تتضمنه من دلالة وإيحاء، ومن تلك المصنَّفات على سبيل المثال لا الحصر: كتاب "الفروق" لأبي هلال العسكري فقد ألفه لبيان فروق الدلالات بين معاني الألفاظ التي قيل بترادفها، مبيِّناً ما اختصتْ به كل لفظة من دلالة ومعنى لا يشاركها فيه غيرها، وإن ظن الناس بترادفها واتحاد المعنى بينهما، كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه حين بيّن ((أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني في لغة واحدة، فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلاّ لكان الثاني فضلاً لا يُحتاج إليه)). (13)

نفي الترادف في القرآن:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015