ذلك جدل وتلبيس , ولفظ الاستحسان ليس في كتاب الله تعالى , ولا في حديث رسوله صلى الله عليه وسلم وما سماه الحنفية استحساناً , إن كان ذكر في كتاب الله أو حديث رسوله صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الاسم , فليس لهم ولا لغيرهم أن يسميه غير ما سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان , لم يذكر في كتاب الله , ولا حديث رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة محدثة , والإنسان قد يعبر بالعربية , والرومية , والفارسية , وغيرها , وليس في ذلك حجة على أنه يجوز لأحد أن يسمى شيئاً في الدين غير ما سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أن يحدث ألفاظاً يتكلم بها في الدين ليست في كتاب الله ولا حديث رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله: وهذا كلام في العبارة لا يقع في مثله مضايقة وقوله: على أنه ليس للمنازعة في اللفظ وجه , لم أجد أحداً قال قبله , أو قال ما يشبهه وأبو بكر الجصاص كان أخذ عن الكرخي , وأبي عبد الله البصري المعتزلي , ولم يصل إلينا كثير من كلامهم , فلا أدري لعل الجصاص كان أول من قال ذلك أو لعله كان أخذه عنهم.
وقال أبو بكر الباقلاني , في كتابه ((التقريب والإرشاد)): وهذه مناظرة ومشاحة في عبارة وتسمية (). اهـ , قالها وهو يتكلم في صيام المسافر أياماً أخر , هل تسمى قضاء , وقال: ولا طائل في النزاع في العبارات , والأسماء والألفاظ , بعد أن بينا أنه استثناء لما ليس من الجنس (). ا هـ قالها في آخر باب الكلام في أقسام الاستثناء وضروبه.
وقال ابن سينا في كتابه ((الإشارات والتنبيهات)): والقضايا التي فيها ضرورة بشرط غير الذات , فقد تخص باسم المطلقة , وقد تخص باسم الوجودية , كما خصصناها به , وإن كان لا تشاح في الأسماء (). ا هـ , وقال: فإن لم يسم هذا مفعولاً بسبب أن لم يتقدمه عدم , فلا مضايقة في الأسماء بعد ظهور المعنى (). ا هـ
وقال في كتابه ((الشفاء)) قسم الإلهيات: ونحن لا نناقش في هذه الأسماء البتة بعد أن تحصل المعاني متميزة (). ا هـ , وقال في قسم السماع الطبيعي: وأنت غير مجبر على اختيار أي الاستعمالات شئت , فإنه ليس إلا مشاجرة في التسمية فقط (). ا هـ وقال في ((الإشارات والتبيهات)): فإن اتفق أن لا يوجد للمعنى لفظ مناسب معتاد فليخترع له لفظ من أشد الألفاظ مناسبة , وليدل على ما أريد به (). ا هـ
وقال الغزالي في كتابه ((إحياء علوم الدين)) الباب السابع في النوافل من الصلوات:: فلفظ النافلة والسنة , والمستحب , والتطوع , أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد , ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح , فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد (). ا هـ
قلت: وتلك الألفاظ: النافلة , والسنة , والمستحب , والتطوع , هي في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تدل عليه تلك الألفاظ في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بين , وليس لأحد من الناس أن ينقل شيئاً من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى غير ما كان يدل عليه , ومن نقل شيئاً من كلام الله ورسوله , إلى غير ما كان يدل عليه , فهو محدث في الدين ما لم يكن منه , ومغير لكلام الله ورسوله , ومخالف للسان العرب الذي نزل القرآن به , فكيف يقال: إن ذلك اصطلاح , ولا حرج على من يغير ذلك الاصطلاح , ولو كان كذلك لصار كل من شاء من الناس , ينقل ما شاء من ألفاظ القرآن والحديث إلى غير ما كانت تدل عليه , وليس بتلك الألفاظ على الناس , ويدعوهم بها إلى غير ما كانت عليه , ويلبس بتلك الألفاظ على الناس , ويدعوهم بها إلى غير ما دعاهم إليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وكذلك فعل المعتزلة والصوفية وغيرهم ممن نقل ألفاظ القرآن والحديث إلى غير ما كانت تدل عليه , وسمى ذلك اصطلاحاً , وزعم أنه لا مشاحة فيه , وتلك الكلمة: لا مشاحة في الاصطلاح , أكثر منها الغزالي في كتبه , وذكرها لألفاظ مختلفة: لا مشاحة في الألقاب , والاصطلاحات , والأسامي , والأسماء , والألفاظ , ولا منازعة ولا حرج , ولا ريب أخذها الغزالي من كلام الجويني , وابن سينا , والباقلاني , والجصاص , وأصحابهم.
¥