والدفاع عن القرآن، مما حدا بهم إلى دراسة المناهج الغربية والاتصال بالعلوم الاجتماعية الغربية الحديثة، فسعى هؤلاء الباحثون للكشف عن المشكلات العلمية والمنهجية الكامنة في هذه الدراسات، وتبيَّن لكثير منهم ـ فيما بعد ـ أن التلويح بالمناهج الحديثة الذي تضمنته كان في معظمه نوع من الإرهاب الفكري لا أكثر.

والملاحظ أن الأبحاث والدراسات القرآنية المختلفة بتأثير هذه الظروف تركزت في محورين رئيسين، الأول: توثيق القرآن ونقله (تاريخية القرآن)، والثاني: الدلالة الكلية للقرآن في إطار إعادة التفسير لأغراض معرفية وأيضاً أيديولوجية.

في توثيق القرآن فإن واحدة من أوائل الدراسات الفيلولوجية النصية المقارنة للقرآن كانت عام1856م للمؤلف ثيودور نولدكه ( T. Noldeke)، بعنوان "أصل وتركيب سور القرآن" والذي نشره بعدما أعاد النظر فيه وطوره عام1880م بعنوان "تاريخ القرآن" (ترجم إلى العربية2004م)، وفي العالم العربي تصب جهود مثل جهود محمد أركون عموماً في قصد ما يسميه "أرخنة القرآن" وإعادته "بشكل علمي إلى قاعدته البيئوية والعرقية ـ اللغوية والاجتماعية والسياسية الخاصة بحياة القبائل في مكة والمدينة في بداية القرن السابع الميلادي"، بدءاً من بحثه "نسبة القرآن إلى الله" 1969م، مروراً بكتابه "قراءات في القرآن" 1982م، وأخيراً كتابه "القرآن: من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني"2001م، ويندرج في هذا السياق دراسة نصر حامد أبو زيد في كتابه "مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن" 1990م، ودراسة عبدالمجيد الشرفي في كتابه "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" 2001م، وطالعنا هذا العام الكاتب والطبيب الليبي كامل النجار بكتاب يتجه إلى المنحى نفسه، ولكن بعدة غاية في البساطة، بعنوان "قراءة منهجية للإسلام" 2005م. وباستثناء محمد أركون ونصر حامد أبو زيد (رغم أنهما أيدلوجيان حتى النخاع) فإن الدراسات الحداثية العربية للقرآن هي كتابات أيديولوجية بائسة، أو كتابات لا تتسلح بعدة معرفية حقيقية تستحق الاهتمام. لكن الملفت للانتباه أنه ليس هناك اهتمام جاد بقضية أرخنة القرآن من قبل المؤسسات الأكاديمية وبحوثها، ربما بسبب خطورة البحث في هذا الموضوع، إلا أن المسألة لا تحتمل التأخير وعلينا بذل الجهد لذلك. أذكر أن صديقاً لي أراد أن يسجل أطروحة دكتوراه في إحدى الجامعات المصرية بعنوان "النسبي والتاريخي في القرآن الكريم" فاتّهم بأنه من "أذيال الاستشراق وأعداء الإسلام من أمثال أبو زيد وإخوانه المرتدين"! على الرغم من أن الرجل كان يريد أن يبحث في المسألة في سياق الدفاع عن القرآن الكريم.

وفي صلب الدلالة الكلية جاء الاهتمام بدلالة المفردات القرآنية باعتبارها مدخلاً في غاية الأهمية لهذا التحليل الكلي، فقد اعتمدت معظم الدراسات على المفردة كأداة لتحليل الخطاب القرآني، تارةً تحت تأثير المنهجيات الحديثة في اللسانيات، مثل دراسة توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu " الله والإنسان: دلاليات تصور العالم القرآني" (باللغة الإنجليزية 1963م)، وعائشة بنت الشاطئ في "التفسير البياني للقرآن الكريم" مطلع الستينيات، وشكري عياد في دراسته "يوم الدين والحساب: دراسات قرآنية" 1984م، ومحمد أركون أيضاً في كتابه "القرآن" 2001م، ودراسة تلميذته جاكلين الشابِّي J. Chabbi ( بالفرنسية) بعنوان "رب القبائل: إسلام محمد" 1997م.

وثمة دراسات أخرى عمدت بسبب أهميتها المفهومية، مثل دراسة أبو الأعلى المودودي "المصطلحات الأربعة في القرآن: الإله، الرب، العبادة، الدين" 1941م، ومحمد أبو القاسم حاج حمد في كتابه/مشروعه "العالمية الإسلامية الثانية: جدل الغيب والإنسان والطبيعة" 1979م، ومحمد شحرور في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" 1990م وفي مؤلفاته الأخرى التي كان آخرها "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي: فقه المرأة" 2001م، إذ إن مفاهيم القرآن الجديدة حملتها مصطلحات خاصة هي في المحصلة مفردات قرآنية، وقد أبانت معظم تلك البحوث والدراسات عن خطورة الدور الذي تحتله المفردة في دراسة القرآن وتحليل خطابه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015