ويعني حرف القتال أن للمتقين في الجنة مغفرة من ربهم أي أن أعمالهم السيئة في الدنيا لن تعرض عليهم بل قد غفرها الله لهم وسترها عنهم فلا يضيقون بها ذرعا ولا تنغّص عليهم ما هم فيه من الكرامة ودار الخلود خلافا لأهل النار الذين تعرض عليهم سيئاتهم وهم في النار ليزدادوا حسرة وقنوطا من الرحمة كما في قوله} كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار {البقرة 167.

وإن قوله:

• ? ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم {هود 52

• ? هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب {هود 61

• ? واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود {هود 90

ليعني أن كلا من هود وصالح وشعيب أمر قومه أن يسألوا ربهم أن يغفر لهم في يوم الحساب ما سلف من كفرهم إذ الإيمان بالله واليوم الآخر هو الخطوة الأولى من الإيمان ثم يتبعون ذلك بالتوبة إلى ربهم أي الرجوع إليه بالعمل الصالح في الدنيا، ومن المثاني معهما قوله} وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله {هود 3 في خطاب المخاطبين بالقرآن وسيأتي بيانه في كلية خلافة على منهاج النبوة، وكلية الكتاب.

بيان قوله} إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم {

إن من العجب أن من الكتاب ما لم تفهمه البشرية بعد ومنه قوله:

• ? إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين {يس 12

• ? أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا {مريم 77 ـ 79

• ? لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق {عمران 181

• ? وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون {الزخرف 19

• ? ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون {الأنبياء 94

• ? وإنّ عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون {الانفطار 10 ـ 12

وتعني هذه المثاني وغيرها أن أعمال المكلفين لن تكتب في حياتهم الدنيا وإنما بعد البعث حين يقوم الحساب كما هو صريح حرف يس أن كتابة أعمال المكلفين هي مما يستقبل بعد نفاذ الوعد بإحياء الموتى.

ويعني حرف مريم أن الذي كفر بآيات ربه وزعم أن لو بعث فسيؤتى مالا وولدا ـ وهو مما مضى يوم نزل الكتاب على خاتم النبيين r ـ لم تقع بعد كتابة ما قال وإنما سيكتب ما يقول بصيغة المستقبل إذ سيعرض عليه يوم الحساب فيراه بأم عينيه فيكتبه الحفظة الكرام الكاتبون وهم الشهود عليه في الدنيا ويعذب ويمدّ له العذاب مدّا.

ويعني حرف عمران أن الذين قالوا إن الله فقير ووصفوا أنفسهم بأنهم أغنياء وقتلوا النبيين بغير حق ـ ولا يخفى أنهم كانوا قبل خاتم النبيين r بعدة قرون ـ لم يكتب قولهم ولا قتلهم الأنبياء بعد، وإنما سيكتب يوم الحساب وهم يرون أعمالهم تعرض عليهم ويقول ذوقوا عذاب الحريق أي يعذبهم في نار جهنم ولا يظلم ربنا أحدا.

ويعني حرف الزخرف أن الله وعد أن تكتب يوم القيامة شهادة الذين جعلوا الملائكة إناثا ويسألون عنها حينئذ، وكانوا من المشركين قبل النبي الأمي r ومن معاصريه.

ويعني حرف الانفطار أن الملائكة الذين يحفظون العبد في الدنيا هم الشهود عليه يوم الحساب لأنهم يعلمون ما يفعل في الدنيا أي يرونه لا يغيب عنهم منه شيء، ولا يعني علمهم ما يفعله العباد كتابته في الدنيا.

إن الله أحكم الحاكين لم يأمر الملائكة الكرام الكاتبين بكتابة أعمال المكلفين إلا قبيل الجزاء بها، وهكذا أخّر عن أكثر الناس كتابة أعمالهم إلى يوم الحساب لتعرض عليهم والملائكة الشهود حاضرون فإن أقرّ كتبت وإن أنكر ختم على فمه وينطق الله الذي أنطق كل شيء جلودهم وتشهد أيديهم وأرجلهم، ثم يوبق بما عرض عليه من أعماله السيئة أي بما لم يغفره الله منها.

ولهذا الإطلاق استثناء كما في قوله:

• ? ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون {النساء 81

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015