فأخي العرابلي وفقه الله جعل أصله في استحالة نسبة شيء من الضلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم أولاً , ثم حاكم الآيات بعد إلى هذا الأصل , وهذا خلاف منهج العلم والعدل , بل الواجب أن نأخذ النصوص الشرعية مأخذ الافتقار , ثم نعتمد في فهمها ما نعتمده في غيرها من كلام الله تعالى , ولا نتمحل لها تأويلات تزيل إشكالات نتوهمها في أكثر الأحيان.

ليس الأمر كذلك يا أخي الكريم

فقولي في بداية الموضوع مادة "ضلل" استعملت في القرآن واللغة في المفارقة وشدة البعد للأماكن والأشياء والأعمال؛ فالضلال يؤدي إلى البعد، والمفارقة، والغيبة، والنسيان، والضياع، وعدم العودة.

بني بعد دراسة جادة للاستعمال القرآني واللغوي لمادة ضلل؛ وكانت هذه نتيجة الدراسة التي شملت كل استعمال، دون استثناء، ولم تخرج آية الضحى عن هذا الاستعمال. واستحالة نسبة شيء من الضلال للنبي عليه الصلاة والسلام ما يشهد به الله تعالى لنبيه التي قامت عليها شهادتي، واعتقاد كل مسلم .. فكيف يكون لي هذا الاعتقاد لوحدي ولا يكون لبقية المسلمين؟؟!!!

تفسيرك أخي للضلال في الآية: (بأنه لما كان المشركون من أهل مكة مجتمعين على الكفر والشرك، فالخروج عنهم، ونبذ ما هم عليه، ومفارقة ما اجتمعوا عليه؛ يعد لغة ضلالاً ... فهذا الإثبات من الله بالحالة التي كان عليها نبيه باللغة التي نزل بها القرآن شهادة من الله تعالى بأنه كان مبرأً من الكفر والشرك الذي كان عليه قومه ... وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الخلوة بعيدًا عن قومه، ومن ذلك خلوته في غار حراء.) , يؤكد ما قلته لك , ويناقض ما قَرَّرتَه أنت من وجوه:

أولاً: ما الذي أخرج رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ممَّا كان عليه قومه: أهو الوحي؟ أم العقل الصحيح والفطرة السليمة؟ والجواب بداهة: ليس هو الوحي , فماذا يكون إذاً؟!

يكون بالعقل السليم والفطرة السليمة التي فطره الله عليها ليكون نبيه بعد ذلك ورسول إلى الناس جميعًا ... وأن يتعود الخلوة والعيش وحيدًا فهذا سيعطيه قوة على التحمل والصبر على عداء قومه وعزله عنهم.

ثانياً: قلت لك بأن الضلال مراتب , ومنها: الكفر والشرك. ولم ينسبه أحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد نسبه أعداء الله للنبي عليه الصلاة والسلام، وأثبتوه له بالفهم الخاطئ لهذه الآية

وعامة الناس تتساءل كيف يوصف النبي بالضلال وهو على هدى مستقيم .. منهم من يصرح بذلك، ومنهم من يحس بهذا الفهم لأن الفهم الدارج عند الناس أن الضلال متربط بالشرك والكفر وأفعال الجاهلية الكخالفة للتوحيد وشرع الله ... ولا يعرفوا غير ذلك، فوجدوا في قولي ما أراح نفوسهم من هذه المفاهيم الخاطئة التي كانت تتولد في خواطرهم.

ولقد قاله عالم من العلماء على الفضاء مباشرة؛ بأن القوم كلهم كانوا ضالين فساوى الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مكة في ضلالهم .... فكيف بعامة الناس.

ثالثاَ: أثبت أنت في كلامك هنا نوعاَ من الضلال للنبي صلى الله عليه وسلم -أيّاَ ما كان معناه عندك- , وهذا يناقض كلامك في ردِّك الأخير: (تقسيم الضلال إلى مراتب بهذا الوضع سيلحق الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء منها).

تقسيمي للضلال بناء على الفهم اللغوي بأنه البعد والمفارقة بما بينته؛

عن الشرع بعد نزوله والعلم به ضلال

وعن القافلة في السير ضلال.

وعن القوم في إقامتهم مفارقة لعقائدهم وما اجتمعوا عليه.

وأنت جعلت الضلال الذي فيه كفر وشرك ومعصية مراتب

فالتقسيمات بيني وبينك مختلفة

فمفارقة القوم لا يحاسب عليها المرء إلا إذا كانت فيها معصية .. فكيف إذا كانت من أجل البعد عما هم عليه من المعصية والشرك والكفر؟!

فالقول كان على تقسمك أنت للضلال وليس على تقسيمي.

رابعاَ: كيف تستطيع الجزم بأن: (خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا خلوة بالنفس ليس فيها عبادة ولا بحث عن الحق)؟

أقول: أثبت لي خلاف ذلك، وبين لي نوع العبادة أو أفعال العبادة التي كان يتعبد بها. ولا أدر كيف تكون خلوة مع لا شيء ويكون في نفس الوقت بحث.

خامساَ: آية الشورى التي استشهدت بها {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} تطابق تماماَ المعنى الذي ذكرته لك: (أن الله هداه إلى ما لم يكن يعلمه من تفاصيل الحق وتمام الهداية)

ذكرت لك من قبل: يجب تحديد الحق، وإقامة الدليل عليه، لنقيم التفاصيل على ذلك .. بل الآية صريحة بأن لم يكن على شيء سابق مما تريد إثباته.

وقد بينت أن الله تعالى لم يصف العرب بالضلال قبل النبوة؛ لأنهم لم يكن لهم شرع أنزل عليهم، وهم على كفر وشرك، فكيف يكون في آية الضحى اتهام للنبي بذلك بالمعنى القائم على المعصية بالمراتب التي ذكرتها.

ليس بيني وبين الأخ الزهراني خلافًا ذا شأن كبير

إنما هو يرى أن ليس هناك مشكلة واتهام للنبي عليه الصلاة والسلام بذلك.

أما انا فقد عايشت ذلك، وسمعت ما أفصح بها الناس عن أنفسهم، فكان لا بد من الإجابة الشافية لهم ... تدل عليها اللغة الصحيحة، وتوافق مكانة النبي صلى الله عليه وسلم بما يوافق شرع الله تعالى.

وفقني الله وإياكم لكل خير، ونفعنا الله تعالى بما نقرأ ونكتب.

أخوكم أبو مسلم العرابلي

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015