ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[28 Jun 2008, 11:23 ص]ـ

والحجر معروف وهو كما جاء في المقاييس:

" الحاء والجيم والراء أصل واحد مطَّرد، وهو المنْع والإحاطة على الشيء. فالحَجْر حَجْر الإنسان، وقد تكسر حاؤه.

ويقال حَجَر الحاكمُ على السَّفيه حَجْراً؛ وذلك منْعُه إيَّاه من التصرُّف في ماله.

والعَقْل يسمَّى حِجْراً لأنّه يمنع من إتيانِ ما لا ينبغي، كما سُمِّي عَقْلاً تشبيهاً بالعِقال. قال الله تعالى:

هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر 5. والحَجَر معروف، وأحسَِب أنَّ البابَ كلَّه محمولٌ عليه ومأخوذ منه، لشدَّته وصلابته. ............ والحاجرُ: ما يُمْسك الماءَ من مكانٍ منْهَبِط، وجمعه حُجْرانٌ. وحَجْرة القوم: ناحية دارهم وهي حِماهُم. والحُجْرة من الأبنية معروفة.

وحجَّر القَمَرُ، إذا صارت حولَه دارةٌ. ومما يشتقُّ من هذا قولهم: حَجَّرْتُ عينَ البعير، إذا وسمْتَ حولَها بميسمٍ مستدير. ومَحْجِر العَين: ما يدور بها، وهو الذي يظهر من النِّقاب. والحِجْر مَكَّة، هو المُدَار بالبيت. والحِجْر القرابة.

والقياس فيها قياس الباب؛ لأنها ذِمامٌ وذِمارٌ يُحمَى ويُحفَظ." اهـ

إذا فالحجر هو العقل, ولكن نتوقف مع كلمة الحجر, فلم قال الله عزوجل هنا "لذي حجر", ففي هذا الموضع الوحيد من القرآن أتت هذه الكلمة بهذا المعنى, وبخلاف ذلك نجد الله عزوجل يقول: " لأولي الألباب, لأولي النهى" , فما المناسبة لاستعمال هذه الكلمة هنا؟

الناظر والمدقق في السورة يجد أن هذه الكلمة هي أنسب كلمة تستعمل في هذا السياق, فإذا نحن نظرنا بعد آيات قليلات سنجد أن الله تعالى يقول " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد", وثمود هؤلاء سماهم القرآن في سورة أخرى "أصحاب الحجر", فقال تعالى " وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ [الحجر: 80] "

والحجر واد بين الحجاز والشام كانوا يسكنونه، قال الراغب: يسمى ما أحيط به الحجارة ِحجراً وبه سمى حِجر الكعبة وديار ثمود. إذا فالحجر أساسا يدل على الإحاطة والمنع كما جاء في قوله تعالى:

"وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [الأنعام: 138] " وكما قال:

"وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً [الفرقان: 53] "

ولكنه يطلق تخصيصا على ما أحيط بالحجارة, فإذا نحن نظرنا في الآيات التاليات وجدنا أن الحجارة كانت هي العامل المشترك لهذه الأقوام المذكورة والتي اغتروا بها. فعاد التي كانت في اليمن بنت من الأبنية العظيمة ما لا يقارن به, حتى أن الله قال في حقهم " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [الشعراء: 128] " وبداهة هذه الأبنية كانت من الحجارة وأما ثمود فوصفهم الله بذلك هنا وفي الأعراق "جابوا الصخر بالواد" "وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الأعراف: 74] "

والحضارة المصرية القديمة اشتهرت أيما اشتهار باستعمال الأحجار, وفرعون كان عظيما من ملوك مصر القدامى –الموصومين زورا وبهتانا بالفراعنة, وما كان فيهم إلا فرعون واحد هو فرعون موسى! -.

إذا فالعامل المشترك بين الأقوام الثلاثة هو القوة الشديدة واستعمال الحجارة, فالله تعالى يقول: "هل في ذلك قسم لذي حجر" لإنسان لديه عقل قوي يمنعه من الهلاك والضياع حتى لا يكون مثل هؤلاء الأقوام الذين لم يتمنعهم حجارتهم من الهلاك! ومن الممكن القول أن في الآية كذلك إشارة إلى المتكبرين والطاغين, فيمكن أن تفهم بأن هل في ذلك السابق قسم لمن يحتمي بقوته وبمن يمنعه فيحسب أن هذا حجر له ومانع, كما فعل عاد من قبله فقالوا " فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015