يُرِيدُ اللَّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم من حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ? [المائدة: 6] ، فلَيْسَتْ بمنْزلةِ أَكْلِ المِيتَة للمضطرَّ، فإِن التَّحريمَ بَاقٍ ولكنْ لأجْل اضطرارِه وَخَوْفه التَّلف أبيح ذَلِكَ.
وأَمَّا التيمم مَعَ تعذر الْمَاء: فإِنَّه عِبَادَة نَابَتْ مَنَابَ عِبَادَةٍ أُخرَى عِندَ العُذْرِ، فَيَقْتَضِي أَنَّها مِثلُهَا مِن كُلِّ وَجْه، نعم هي طهارةُ اضْطِرَارٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَرْطهَا الذي هُوَ تَعَذُّر استعمالِ الْمَاء.
فما دَامَ هَذَا الشَّرْطُ مَوْجُودًا فَطَهَارَة التيمم صحيحة.
وَمتَى زَالّ وَوُجِدَ الماءُ وَزَالَ الضرر: بطل التيمم.
هَذَا الذي دل عَلَيْهِ الدلِيلُ، ثم قَوْلهمْ: أبيح بِقَدرِ الضرُورَةِ مَمْنُوع بالإِجْمَاعِ. فإنه لا يقول أَحَدٌ: إِنَّهُ يَجِب أَن يَتَيَمَّم عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ يُصَلِّيهَا فرضًا أو نفلاً، وَإِنَّهُ يُقْتَصَر عَلَى الفَرضِ بَل عَلَى الْوَاجِب منه.
كَما قَالُوا فِيمَنْ تَعذرَ عَلَيهِ الطَّهَارَة بالماءِ وَالتِّرَاب مَعَ أنه ضَعِيفٌ أيضًا.
فإِن من تعذر عَلَيهِ ذَلِكَ: فَلا يُكَلِّفُ اللَّه نَفسًا إلا وُسْعهَا.
فإِن جَمِيعَ الْوَاجِبَات الشَّرْعِية: إنما تجب مع القدرةِ عَلَيْهَا، فإذا عجز عنها سَقَطَ وَجُوبُهَا على العبد.
وَهَذَا مُطَّرِدٌ في جَمِيع أَرْكَانِ الصَّلاةِ، وَشُرُوطهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، والحمد لله رب العَالمينَ.