فإِذا قيل: لِمَ لَمْ يُوجَبْ هَذَا اَلدَّم فِي اَلإِفْرَاد كما وَجَبَت بَقِيَّةُ الأفعَالِ المشترَكَةِ بين النّسكَيْنِ؟
قِيلَ: الحكمَةُ في شَرعِ هَذَا الدَّمِ في حَقِّهمَا أنَّهُ شُكرٌ لِنعمَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيثُ حَصَلَ لِلعَبدِ نُسكانِ في سَفَرٍ واحدٍ وَزَمنٍ وَاحِد، ولهَذَا حَققَ هَذَا المقصُودَ، فاشتَرَطَ لوجُوبِ الدمِ: أن يحرم بالعُمرَةِ في شَهرِ اَلْحَجّ ليَكُونَ كزَمَنٍ وَاحِدٍ، وأن يَكُونَ مِن غَيرِ حَاضِرِي المسجِدِ اَلْحِرَام؛ لأن حَاضِرِيهِ لم يَحصُلْ لَهُم سَفَرٌ من بَلَدٍ بعيدٍ يُوجِبُ عَلَيهِم هَذَا اَلْهَدْي؛ ولأَنه لَيسَ مِنَ اللائِقِ بالعَبدِ أن يقدم بيت للَّهِ بنسكين كَامِلَينِ ثُمَّ لا يُهدِي لأَهلِ هَذَا البَيتِ مَا يَكُونُ بعض شُكرِ هَذِهِ المهنَةِ، فَهَذَا مِن أسْرَارِ الفَرقِ بين المذكُورَاتِ.
وأمَّا مَا تَجتَمِعُ فيه الأَنسَاكُ الثَّلاثَةُ ومَا تَفتَرِقُ، فإِذَا عُرِفَ مَا بِه تَفْتَرِق وَاسْتُثْنِيَ بالقَاعِدَةِ الكُلِّيَّةِ عُلِمَ أنَّ اَلْبَاقِي مُشتَرَكٌ بينهَا.
فأوَّلُ مما تَفتَرِقُ به: وجُوبُ الدَّمِ عَلَى المتمتِّعِ والقَارِنِ دُونَ المفردِ كمَا تَقدَّمَ.
والثَّاني: أَنّ المفردَ لم يَحصُلْ لَهُ إِلا نُسُكٌ وَاحِدٌ، والعُمرَةُ إلَى الآن لَم يَأْتِ بهَا بخِلافِ المتمتِّعِ والقَارِنِ.
والثَّالِث: أنَّ المتمتِّعَ عَلَيهِ طَوَافَانِ:
طَوَافٌ لعُمرَتِه.