ثم بيَّن ابن الجوزي أن العلاج التربوي لهذا الفهم الخاطئ في فصل العبادات عن الأخلاق، إنّما يتم عن طريق تربية وتدريب المرء على أداء العبادات بطريقة صحيحة كما فرضها الله تعالى، بحيث يستشعر جميع المعاني الإيمانية والنفسية والخلقية والاجتماعية، التي يجنيها من وراء هذه العبادات، فتُنبت في نفسه الحب والتعظيم لله تعالى، والتواضع لعباده، وذلك بالإضافَة إلى ما يترتب عليهما من ثمار جليلة، لا يتذوقها إلا من شعر بحلاوة الوقوف بين يدي الله تعالى. فقال ابن الجوزي في ذلك: "وهذه آفات لا دواء لها إلا الرياضة بالعلم، ليقع التهذيب بإصلاح دائه، وإنما تنفع العبادة وتظهر آثارها وتبين لذاتها مع إصلاح أمراض القلب" (?).
النوع الرابع: تطهير السر أو القلب عمَّا سوى الله:
وقد قال فيه ابن الجوزي: "تطهير السرّ عمَّا سوى الله -عز وجل-. وهذه المرتبة لم تحصل إلا لمن تجلت له أوصاف الحبيب فدخل في دائرة المحبة" (?). والمرتبة التي قصدها ابن الجوزي، هي مرتبة الإحسان، التي اعتبرها ابن قيم الجوزية: "لبَّ الإيمان، وروحه وكماله. وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل. فجميعها منطوية فيها" (?). وقد قال فيها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - "أن تعبدَ الله كأنك تراهُ، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراكَ" (?).
وهذه المرتبة تصل بصاحبها إلى "كمال الحضور مع الله -عز وجل-. ومراقبته الجامعة لخشيته، ومحبته ومعرفته، والإنابه إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان" (?).
وهذه المرتبة العالية، تحتاج من الفرد، المجاهدة المستمرة، وإيثار