لأمة مسلمة كانوا إلى تعليم ما ذكر أحوج منهم إلى التزكية؛ فإن أصلها موجود بالإسلام، فأخر قوله وَيُزَكِّيهِمْ أي يطهر قلوبهم بما أوتي من دقائق الحكمة فترتقي بصفائها ولطفها من ذروة الدين إلى محل يؤمن عليها فيه من أن ترتد على أدبارها، وتحرف كتابها كما فعل من تقدمها، والتزكية اكتساب الزكاة بما هو لها بمنزلة الغذاء للجسم، «ولما ذكر سبحانه في سورة الجمعة بعثه في الأميين عامة اقتضى المقام تقديم التزكية التي رأسها البراءة من الشرك الأكبر ليقبلوا ما جاءهم من العلم، وأما تقديمها في ال عمران مع ذكر البعث للمؤمنين فلاقتضاء الحال بالمعاتبة على الإقبال على الغنائم الذي كان سبب الهزيمة لكونها إقبالا على الدنيا التي هي أم الأدناس» (?) .
5- ومن حكم الترتيب أن التلاوة عامة لجميع الناس، والتزكية خاصة بمن استجاب للايات فامن بها، وتعليم الكتاب والحكمة خاص ببعض المؤمنين (?) .
6- وفي هذا الترتيب يظهر لنا الفرق في عملية تعليم القران (علم القراءة) عن عملية تعليم الأحكام، فعلم القراءة طريقه (التلقي) الذي تشير إليه لفظة يَتْلُوا، وعلم الأحكام أعم من التلقي فقد يكون بالاستنباط مثلا كما تشير إليه لفظة وَيُعَلِّمُهُمُ فرتب «التعليم على التلاوة كما هو الواقع لأن التلاوة أول ما يقرع السمع، والتعليم الذي هو التفهم بعده» (?) .