قال ـ تعالى ـ في خطاب هارون وموسى ـ عليهما السلام ـ {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه43-44] .
ولقن موسى ـ عليه السلام ـ من القول اللين أحسن ما يخاطب به جبار يقول لقومه: أنا ربكم الأعلى، فقال ـ تعالى ـ: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى*وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات18-19] .
فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مخرج الأمر، وقال: {إلى أن تزكى} ولم يقل: "إلى أن أزكيك".
فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكي دون غيره؛ لما فيه من البركة، والخير، والنماء.
ثم قال: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك.
وقال: {إِلَى رَبِّكَ} استدعاءا لإيمانه بربه الذي خلقه، ورزقه، ورباه بنعمه صغيرا وكبيرا"1.
ولهذا فإن الموعظة التي تلقى في أدب، وسعة صدر، تسيغها القلوب، وتهش لها النفوس، وترتاح لها الأسماع.
ولقد امتن ربنا ـ جل وعلا ـ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن جبله على الرفق ومحبة الرفق، وأن جنبه الغلظة، والفظاظة، فقال ـ عز وجل ـ: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] .