ولقد كان من حكمة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- في الدعوة أنه لا يجعل الوعظ ركاما, بل كان يتحرى بالموعظة وقت حاجة الناس إليها, أو وقت نشاطهم لسماعها. أورد البخاري- رحمه الله تعالى- في كتاب العلم من صحيحه بابين في هذا الشأن.
أحدهما: "باب ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم؛ كي لا ينفروا."
وتحت هذا الباب ساق بسنده حديثين, أحدهما عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السامة علينا."1
والثاني عن أنس- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "يسروا, ولا تعسروا, وبشروا, ولا تنفروا". 2
والباب الثاني: "باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة."
ثم قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة, قال: حدثنا حرير عن منصور عن أبي وائل قال: كان عبد الله- يعني ابن مسعود- يذكر الناس في كل خميس, فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددت لوذكرتنا كل يوم.
قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم, وإني أخولكم بالموعظة, كما كان النبي- صلى الله عليه وسم- يتخولنا بها؛ مخافة السامة علينا."3
قال ابن حجر- رحمه الله-: في شرح الحديث الأول: "في قوله"كان يتخولنا":
" والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا, ولا يفعل ذلك كل يوم؛ لئلا نمل."4
وقال: "وقوله: "علينا": أي السآمة الطارئة, أو ضمن معنى المشقة,