أنه يكتب. ألا ترى إلى حكاية الله عز وجل لقول الكفار: " اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً "، ما كذبهم عز وجل وجعل من أفضل صفاته عليه الصلاة والسلام قوله: " النبي الأمي "، فقال: " فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي ". وقال: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ".
وليس هذا الكتاب والفوائد فيه معمولاً لتابع دون متبوع، ولا خامل دون نبيه، ولا محروم دون محظوظ. ولا ينبغي لمن رفعته حال، وساعده جد، وهو يؤنس من نفسه تقصيراً في الأدب، وتخلقاً عن صناعة الكتابة، أن يغتر بحظه، وإقبال الأيام عليه في وقت، فإنها دول منقلبة وأحوال متصرفة، وليتلاف ما ضيع، ويستدرك ما فرط، ولا يتكل على كفاءته، مشتغلاً بلذته، ومريحاً قلبه وجسمه، مستعيراً في كل وقت عليهم، ومتكلاً على كفاءتهم، ينام ويسهرهم، ويفرغ ويشغلهم.
فإن هذا الفعل إنما يحسن بالرؤساء إذا أشرفوا على العلم، واستفلوا بالصناعة، وعرفوا ما يحتاجون إليه من أمر الكتبة وحفظوه. فعند ذلك تشرف عندهم أنفسهم، ويحسن بمن عندهم استقامتهم، حتى تحملوا عنه ما هو أعلم به منهم، ولا يكونوا أسراء في أيديهم، ولا مضطرين إلى ما عندهم. وقد قال بعض الحكماء: " كل شيء يمكن أن يستعار إلا اللسان " وقال: من خدم السلطان بلا علم واستقلال، وتجربة وكمال، كان بمنزلة راكب