خوى نجم الخير، وكسدت سوق البرِّ، وبارت بضائع أهله، وصار العلم عاراً علَى صاحبه، والفضل نقصاً وأموال الملوك وقفاً علَى شهوات النفوس، والجاه الَّذي هو زكاة الشرف يباع بيع الخلق وآضت المروءات في زخارف النَّجد وتشييد البُنيان، ولذَّات النفوس في اصطفاق المزاهر ومعاطاة الندمان. ونبذت الصنائع، وجُهل قدر المعروف، وماتت الخواطر، وسقطت همم النفوس، وزُهد في لسان الصدق وعقد الملكوت فأبعد غايات كاتبنا في كتابته أن يكون حسن الخط قويم الحروف، وأعلى منازل أديبنا أن يقول من الشِّعر أبياتاً في مدح قَيْنَة أو وصف كأس، وأرفع درجات لطيفنا أن يطالع شيئاً من تقويم الكواكب، وينظر في شيء من القضاء وحدِّ المنطق، ثمَّ يعترض علَى كتاب الله بالطعن وهو لا يعرف معناه، وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب وهو لا يدري من نقله، قد رضي عوضاً من الله ومما عنده بأن يقال: فلان لطيف وفلان دقيق النظر يذهب إلى أن لُطف النظر قد أخرجه عن جملة النَّاس وبلغ به علم ما جهلوه؛ فهو يدعوهم الرَّعاع والغُثاء والغُثْر، وهو لعمر الله بهذه الصفات أولى، وهي به أليق؛ لأنه جهل وظنَّ أن قد علم، فهاتان جهالتان؛ ولأن هؤلاء جهلوا وعلموا أنهم