بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحسين بن علي: اللهم أنا نستوهبك التأمل، وما فيه من شفاء الجهل، ونستعيذ بك من التقليد وما فيه من إضاعة العقل، ونسألك ان تجعل لنا منك سلطاناً، وتصل بين أفعالنا وبين رضوانك سبباً، ولا يؤثر عنا قولنا إلاّ وله إلى أوامرك منزع ولطف، ولا ينفذ لنا عمل إلاّ وله في طاعتك نسب ولو ضعف، وأن تجعل بمفازة من الضلال والفساد، وعلى متن سبيل من الرشاد والصلاح، وأن تعيننا على مجاهدة العدو الخاص، ومكافحة القِرن اللاصق، من نفس إلى السوء نزوع، ومن لسان بالقول طموح، ومن قول مجذوذ، فليس له فعل يصله، ومن نيةٍ غفل فليس لها موضع تظهر فيه، ومن التجاهل بفضيلة الصمت، والاحتجاج للغو المنطق بغريزة الطبع.
وقد عجب المتأملون من عقل لا يمضي سلطانه على نفسه، وهو يريغ نفاذ أمر من غيره، والإنسان يسفه القاصب له، ويثرب على المولع بسبه، ويزنه بالكذب، ويعزوه إلى قول ما لم يعلم وإلى المؤاخذة على الظنن، وإلى إرسال اليد واللسان قبل اليقين والثَّلج، ولا يحس أنَّ الداء الذي أضرع خصمه للملامة، والحج عدوه في التغليظ والمذمة هو وهي سلطان العقل، وانتقاص الجلد عن صرف اللسان وقد اشرب للقول، وعن حبسه قد تهيأ للبثِّ، وأنه هو قد كان يجب أن يكون من ذلك على أبعد البعد وفي المعرفة بعيبه على أبصر الرأي وأوضح الأمر، لا أن يتعقبه بمثله، ويصل إمداده من فعله، ويستمله من فاعله المذموم عنده، ويصير صدى فيه لخصمه المشنإ إليه، ويروون عن عبد الله بن العباس انه قال: من لم يملك نفسه فليس بأهل أن يملك غيره. وقال بعض الحكماء: العاجز من عجز عن سياسة نفسه. وقال الشاعر:
أبدأ بنفسك فأنهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم