ولكن رسالة الاسلام مع ذلك رسالة واقعية تتعامل مع الانسان على ما هو عليه، وخالق الانسان تبارك وتعالى يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، فقد وهب لعباده عقولا ومقدرات متباينة من شانها ان تؤدي الى اختلاف في نظرتهم وافكارهم ومواقفهم من كثير من الاشياء، ولذلك فان الاسلام يتسع الى تلك الاختلافات كلها التي لا تهدد وحدة الامة، فيكفي ان تتفق الآراء، وتلتقي التصورات، وتتوحد المواقف ازاء القضايا الكبرى والقواعد الاساسية، اما ما عداها من امور فرعية، وقضايا ثانوية مما يساعد اختلاف الرأي فيها على الجنوح يحو الافضل والامثل فلا ضير فيه على ان يكون لهذا الاختلاف ضوابطه وحدوده، وقواعده وآدابه، والا يؤثر على وحدة فكر الامة ومواقفها من القضايا الاساسية الكبرى. فما حقيقة الاختلاف؟ وما الحدود التي لايجوز تجاوزها فيه؟ وما اسبابه؟ وما القدر المسموح به منه؟ وما ضوابطه وآدابه؟ وما السبيل للتخلص من سلبياته؟ هذا ما سنحاول بحثه في هذه المعالجة، ان شاء الله تعالى. ونظرا لتعدد جوانب هذا الموضوع فقد تنوعت مصادره فله جانب منطقي جدلي تكفلت ببحثه الكتب المنطقية الخاصة بآداب البحث والمناظرة (?) .