والقرآن الكريم يدعو المسلم إلى تنمية الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس، كما في قول الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *} (?) . ويقول سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا *اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (?) .

فالإسلام يسعى إلى تنمية الرقابة الذاتية للفرد المسلم، ما يبعده عن الانحراف ويجعله ملتزماً أحكامَ الشرع الحنيف، ومع ذلك فإن النفس البشرية تبقى أمارة بالسوء ولا يخلو مجتمع ولا أمّة من الانحراف وتجاوز الحق، ما يستوجب دومًا وضع القواعد الرقابية والمحاسبية حماية للمجتمع من أن يستشري فيه الانحراف والفساد.

وذكر بعض الباحثين أن " الإسلام لم يضع قواعد تفصيلية للرقابة الإدارية، ولم يحدد الأشكال الواجب اتباعها لتحقيق هذه الرقابة، وإنما ترك الأمر للتجربة والظروف الاجتماعية والإدارية للمجتمع المسلم" (?) . ولعل المقصود بذلك نفي وضع الهياكل الرقابية كما هي عليه اليوم في المنشآت الإدارية، وإلا فإن الإسلام قد وضع كثيرًا من القواعد الرقابية والمحاسبية؛ سواء فيما يتعلق بحفظ الدين أو النفس أو العرض أو المال، فهو قد شرع الحدود والقصاص، كما شرع عقوبة التعزير فيما ليس فيه حد مُقدَّر من المخالفات، وترك للحاكم تقدير تلك العقوبة التي قد تصل أحيانًا إلى حد القتل.

وقد مارس النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصحابته الرقابة الإدارية كما سيأتي تفصيل ذلك في المبحث الثاني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015