وينبغي للحاضرين إذا جاء القادم إن يرحبوا به، ويوسعوا له، ويتفسحوا لأجله، ويكرموه بما يكرم به مثله، فإذا تفسح له في المجلس وكان حرجاً ضم نفسه ولا يتوسع، ولا يعطي أحداً منهم جنبه ولا ظهره، ويتحفظ من ذلك ويتعهده عند بحث الشيخ له ولا يجنح على جاره، أو يجعل مرفقه قائماً في جنبه، أو يخرج عن بنية الحلقة بتقدم أو تأخر. ولا يتكلم في أثناء درس غيره أو درسه بما لا يتعلق به، أو بما يقطع عليه بحثه، وإذا شرع بعضهم في درس، فلا يتكلم بكلام يتعلق بدرس فرغ، ولا بغيره مما لا تفوت فائدته، إلا بإذن الشيخ وصاحب الدرس. ولا يتكلم بشيء حتى ينظر فيه فائدة وموضعاً، ويحذر المماراة في البحث والمغالبة فيه، فإن ثارت نفسه ألجمها بلجام الصمت والصبر، واقتداء بحديث من ترك المرء وهو محق، بني الله له بيتاً في أعلى الجنة، فإن ذلك أقطع لانتشار الغضب وأبعد عن منافرة القلوب، وإن أساء بعض الطلبة أدباً على غيره لم ينهره غير الشيخ، إلا بإشارته أو سراً بينهما على سبيل النصيحة، وإن أساء أحد أدبه على الشيخ، تعين على الجماعة انتهاره ورده، والانتصار للشيخ بقدر الإمكان وفاء بحقه، ولا يشارك أحد من الجماعة أحداً في حديثه ولا سيما الشيخ، فإن علم إيثار الشيخ ذلك أو المتكلم فلا بأس به.
التاسع: إن لا يستحي من سؤال ما أشكل عليه، ويفهم ما لم يتعقله بتلطف وحسن خطاب، وأدب وسؤال، قالت عائشة: " رحم الله نساء الأنصار، لم يكن الحياء يمنعهن إن يتفقهن في الدين ". وقد قيل: من رقّ وجهه عند السؤال، ظهر نقصه عند اجتماع الرجال. ولا يسأل عن شيء في غير موضعه إلا لحاجة أو علم بإيثار الشيخ ذلك، وإذا سكت الشيخ عن الجواب لم يلح عليه، وإن أخطأ في الجواب فلا يرد عليه في الحال، وقد تقدم.
وكما لا ينبغي للطالب إن يستحي من السؤال، فكذلك لا يستحي من قوله " لم أفهم " إذا سأله الشيخ، لأن ذلك يفوت عليه مصلحته العاجلة والآجلة، أما العاجلة فحفظ المسألة ومعرفتها واعتماد الشيخ فيه الصدق والورع والرغبة، والآجلة سلامته من الكذب والنفاق واعتياده التحقيق.
العاشر: مراعاة نوبته فلا يتقدم عليها بغير رضى من هي له. روي إن أنصارياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأله، وجاء رجل من ثقيف، فتمال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك.
قال الخطيب: يستحب للسابق إن يقدم على نفسه من كان غريباً لتأكد حرمته. وروى في ذلك حديثين عن ابن عباس وابن عمر، ومن كان له حاجة ضرورية علمها المتقدم، أو أشار الشيخ بتقدمه فيستحب إيثاره، وإلا فلا لكونه قربة، ولا يسقط حق السابق بذهابه إلى ما يضطر إليه من قضاء حاجة، أو تجديد وضوء، إذا عاد بعده.
الحادي عشر: إن يكون جلوسه بين يدي الشيخ على ما تقدم تفصيله وهيئته في آدابه مع شيخه، ويحضر كتابه الذي يقرأ منه معه ويحمله بنفسه، ولا يضعه حال القراءة على الأرض مفتوحاً، بل يحمله بجديه ويقرأ منه، ولا يقرأ حتى يستأذن الشيخ، ولا يقرأ عند شغل قلب الشيخ بملل، أو غضب، أو جوع، أو عطش، أو غير ذلك.
الثاني عشر: إذا حضرت نوبته استأذن الشيخ، كما ذكرناه، فإن أذن له استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يسمىِ الله تعالى ويحمده ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يدعو للشيخ ولوالديه ولمشايخه ولنفسه ولسائر المسلمين، وكذلك يفعل كلما شرع في قراءه درس، أو تكراره، أو مطالعته، أو مقابلته، في حضور الشيخ وفي غيبته، وإذا دعا الطالب للشيخ قال: ورضي الله عنكم وعن شيخنا وإمامنا، ونحو ذلك، ويقصد به الشيخ، ويدعو الشيخ أيضاً للطالب كما دعا له، فإن ترك الطالب الاستفتاح بما ذكرناه جهلاً أو نسياناً نبهه عليه وعلمه إياه وذكره به، فإنه من أهم الآداب، وقد ورد في الحديث في بدء الأمور المهمة بالحمد، وهذا منها.
الثالث عشر: إن يرغِّب بقية الطلبة في التحصيل ويدلهم على مكانه، ويصرف عنهم الهموم الشاغلة عنه، ويهون عليهم مئونته، ويذاكرهم بما حصل له من الفوائد والقواعد والغرائب، وينصحهم في الدين، فبذلك يستنير قلبه ويزكو عمله ولا يفخر عليهم، ويعجب بجودة ذهنه، بل يحمد الله على ذلك ويستزيده منه بدوام شكره.