الثاني عشر: إذا ناوله الشيخ شيئاً تناوله باليمين، وإن ناوله شيئاً ناوله باليمين، فإن كان ورقة يقرؤها كفتيا، أو قصة، أو مكتوب شرعي، ونحو ذلك، نشرها ثم دفعها إليه. ولا يدفعها مطوية إلا إذا علم أو ظن إيثار الشيخ لذلك، وإذا ناوله الشيخ كتاباً ناوله إياه مهيئاً لفتحه والقراءة فيه من غير احتياج إلى إدارته، فإن كان النظر في موضع معين فليكن مفتوحاً، كذلك ويعين له المكان، ولا يحذف إليه الشيء حذفاً من كتاب أو ورقة أو غير ذلك، ولا يمد يديه إلا إذا كان بعيداً ولا يحوج الشيخ إلى مد يده أيضاً لأخذ منه، أو إعطاء، بل يقوم إليه قائماً ولا يزحف زحفاً، وإذا جلس بين يديه الناس لذلك فلا يقرب منه قرباً كثيراً ينسب فيه إلى سوء أدب ولا يضع رجله أو يده أو شيئاً من بدنه أو ثيابه على ثياب الشيخ أو وسادته أو سجادته، ولا يشير إليه بيده أو يقربها من وجهه أو صدره أو يمس بها شيئاً من بدنه أو ثيابه، وإذا ناوله قلماً ليكتب به فليمده قبل إعطائه إياه وإن وضع بين يديه دواة فلتكن مفتوحة الأغطية مهيأة للكتابة منها، وإن ناوله سكيناً كانت عرضاً وحد شفرتها إلى جهته، قابضاً على طرف النصاب مما يلي النصل، جاعلاً نصابها على يمين الآخذ، ولا يأنف من خدمته. وقد قيل: أربعة لا يأنف الشريف منهم وإن كان أميراً، قيامه من مجلسه لأبيه وخدمته للعالم يتعلم منه والسؤال عما لا يعلمه وخدمته للضيف.
الثالث عشر: إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل ووراءه بالنهار، إلا إن يقتضي الحال خلاف ذلك، ويتقدم عليه في المواطن المجهولة الحال لوحل أو نحوه، ويعرف الشيخ بمن قرب منه أو قصده من الأعيان إن لم يعلم الشيخ به، وإذا صادف الشيخ بدأه بالسلام، ويقصده إن كان بعيداً ولا يناديه، ولا يسلم عليه من بعيد ولا من ورائه، بل يقرب ويتقدم ثم يسلم عليه، ولا يقول لما رآه الشيخ وكان خطأ، هذا خطأ ولا هذا ليس برأي، بل يحسن خطاه في الرد إلى الصواب، كقوله: يظهر إن المصلحة في كذا، ولا يقول الرأي عندي كذا، وشبه ذلك.
الفصل السادس
في آداب المتعلم في درسه
وقراءته في الحلقة وما يعتمد فيها الشيخ والرفقة
وهو ثلاثة عشر نوعاً: الأول: إن يبتدئ أولا بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظاً ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه، فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها. ثم يحفظ في كل فن مختصراً، يجمع فيه بين طرفيه من الفقه والحديث وعلومه والأصولين والنحو والتصريف ولا يشتغل بذلك كله عن دراسة القرآن وتعهده وملازمة وردٍ منه كل يوم أو أيام أو جمعة. وليحذر من نسيانه بعد حفظه، فقد ورد حديث يزجر عنه، ويشتغل بشرح تلك المحفوظات على المشايخ، وليحذر من الاعتماد في ذلك على الكتب ابتداء، بل يعتمد في كل فن ما هو احسن تعليماً له، واكثر تحقيقاً فيه، وتحصيلاً منه، واخبرهم بالكتاب الذي قراه، وذلك بعد مراعاة الصفات المتقدمة من الدين، والصلاح والشفقة وغيرها، فإن كان شيخه لا يجد من قرابته على غيره، فلا بأس بذلك، وإلا راعى قلب شيخه، إن كأن أرجأهم نفعاً، لأنه أنفع له وأجمع لقلبه عليه، وليأخذ من الحفظ ما يمكنه ويطيقه حاله، من غير إكثار يمل ولا تقصير يخل بجودة التحصيل.
الثاني: إن يحذر في ابتداء أمره من الاشتغال في الاختلاف بين العلماء، وبين الناس مطلقاً في العقليات والسممعيات، فإنه يحير الذهن ويدهش العقل، بل يتقن أولاً كتاباً واحداً في فن واحد، أو كتباً في فنون إن احتمل ذلك على طريقة واحدة يرتضيها له شيخه، فإن كانت طريقة شيخه نقل المذاهب والاختلاف، ولم يكن له رأي واحد. قال الغزالي، فليحذر منه فإن ضرره أكثر من النفع به، وكذلك يحذر في ابتداء طلبه من المطالعات في تفاريق المصنفات، فإنه يضيع زمانه ويفرق ذهنه، بل يعطي الكتاب الذي يقرأه أو الفن الذي يأخذه كليته حتى يتقنه، وكذلك يحذر من النقل من كتاب إلى كتاب، من غير موجب، فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح.