الثامن: أن يطالب الطلبة في بعض الأوقات بإعادة المحفوظات، ويمتحن ضبطهم لما قدم لمم من القواعد المهمة، والمسائل الغريبة، ويختبرهم بمسائل تبنى على أصل قرره أو دليل ذكره، فمن رآه مصيباً في الجواب ولم يخف عليه شدة الإعجاب، شكره وأثنى عليه بين أصحابه ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب الازدياد، ومن رآه مقصراً ولم يخف نفوره، عنفه على قصوره، وحرضه على علو الهمة، ونيل المنزلة في طلب العلم، لا سيما إذا كان ممن يزيده التعنيف نشاطاً، والشكر انبساطاً، ويعيد ما يقتضي الحال إعادته ليفهمه الطالب فهماً سخاً التاسع: إذا سلك الطالب فوق ما يقتضيه حاله، أو تحملته طاقته، وخاف الشيخ ضجره، أوصاه بالرفق بنفسه، وذكره بقول النبيِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، ونحو ذلك مما يحمله على الأناة والاقتصار في الاجتهاد، وكذلك إذا ظهر له منه نوع سآمة، أو ضجر، أو مبادئ ذلك، أمره بالراحة وتخفيف الاشتغال، ولا يشير على الطالب بتعلم ما لا يحتمله فهمه أو سنه، ولا بكتاب يقصر ذهنه عن فهمه، فإن استشار الشيخ من لا يعرف حاله في الفهم والحفظ في قراءة فن أو كتاب، لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ذهنه، ويعلم حاله، فإن لم يحتمل الحال التأخير أشار عليه بكتاب سهل من الفن المطلوب، فإن رأى ذهنه قابلاً، وفهمه جيداً، نقله إلى كتاب يليق بذهنه، وإلا تركه، وذلك لأن نقل الطالب إلى ما يدل نقله إليه على جودة ذهنه يزيد انبساطه، وإلى ما يدل على قصوره يقلل نشاطه، ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين أو اكثر، إذا لم يضبطهما، بل يقدم الأهم، فالأهم، كما سنذكره أن شاء الله تعالى، فإذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يفلح في فن، أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه.
العاشر: أن يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم، إما مطلقاً كتقديم المباشرة على السبب في الضمان، أو غالباً كاليمين على المدعى عليه، إذا لم تكن بينة، ونحو ذلك من القواعد، وكذلك كل أصل وما ينبني عليه من كل فن يحتاج إليه من علمي التفسير والحديث، وأبواب أصول الدين والفقه، والنحو والتصريف واللغة، ونحو ذلك إما بقراءة كتاب من الفن أو بتدريج وهذا كله إذا كان الشيخ عارفاً بتلك الفنون، وإلا فلا يتعرض لها، بل يقتصر على ما يتقنه منها، ومن ذلك ما لا يسع الفاضل جهله كأسماع المشهورين من الصحابة، والتابعين وأئمة المسلمين، وعلماء أهل البيت المطهرين العاملين، وأهل الزهد والصلاح من الفقهاء المحققين، وما يستفاد من محاسن آدابهم، ونوادر أحوالهم، فيحصل له مع الطول فوائد كثيرة.
الحادي عشر: أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في موت، واعتناء مع تساويهم في الصفات من سن، أو فضيلة، أو تحصيل، أو ديانة، فإن ذلك ربما يو حش الصدور وشفر القلوب، فإن كان لأحدهم فضيلة، فأظهر إكرامه لأجلها فلا بأس بذلك، لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات، ولا يقدم أحداً في نوبة الآخر، إلا إذا رأى في ذلك مصلحة تزيد على مصلحة مراعاة النوبة، أو سمح الطالب بذلك كما سيأتي إن شاء الله وينبغي أن يتودد لحاضرهم ويذكر غائبهم بخير وحسن ثناء، وينبغي أن يستعلم عن أسمائهم وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم، ويكثر الدعاء لهم.
الثاني عشر: أن يرقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطناً وظاهراً، فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه، أو ما يؤدي إلى فساد حال، أو ترك اشتغال، أو إساءة أدب في حق الشيخ أو غيره، أو كثرة كلام بغير توجيه ولا فائدة، ومعاشرة من لا تليق معاشرته، أو نحو ذلك مما سيأتي أن شاء الله تعالى في آداب المتعلم، عرض الشيخ بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه ذلك، غير معرض به، ولا معين له، فإن لم ينته نهاه عن ذلك سراً، ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها، فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهراً، ويغلظ القول عليه أن اقتضاه الحال، ليزجر هو وغيره، ويتأدب به كل سامع، فإن لم ينته فلا بأس بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع، وكذا يتعاهد ما يعامل به بعضهم بعضاً من إفشاء السلام، وحسن التخاطب في الكلام، والتحابب، والتعاون على البر والتقوى، وعلى ما هم بصدده.