اداب الحسبه (صفحة 27)

بالرجل فقال له: ادرك بغلتك فقد ذهبت وخرج الرجل وعدا وراءها حتى لحقها ودخل المتعلم إلى الرحى ووصل الرجل بالبغلة وأوثقها ثم عاد إلى الرحى فسمعنا بينهما محاملة أوجبت أن دخلت عليهما وألفيناهما يتضاربان والرجل يقول: أخذ والله القمح، والمتعلم ينكر وفرقنا بينهما إلى أن كمل الطحن والرجل يقول: والله لقد ذهب نصف قدر ربع دقيق وقمنا عليه وقلنا إنما يظهر ذلك إذا وزنت، وانفصل الرجل مشتغل الخاطر، ولما تغيب عنا قال صاحبي للمتعلم اركي ما أخذت له، فأخرج قدر ثلث ربع واحد من القمح فقلت له: ومن مثل هذا عيش ولا تتقي الله وإن كنت الآن أرفه فقد كنت ترزق حلالا وتركته وذهبت فلم أرجع إليه بعدها إلى الآن ولقيته بعد ذلك فوعظته فقال لي: كذلك يفعل الكل في ذلك الشغل، وأما الباعة فقد تقدم الكلام في الموازين والصنوج ما فيه كفاية وبالله الاستعانة وعليه التوكل.

فمنهم عملة الخبز وباعته ويغش مفسدوهم بخلط المدهون في الدرمك والأحمر في المدهون والشعير بالنخال الدق والشنتية بالصلصال الأبيض ويصنعون الناقص بالقصد يوفرون على المعلمين ليؤثروهم بالاشتغال والمنفعة، ويحتج المعلم على المحتسب إذا اعتزله على التدليس أو النقص بأن يقول إنما أنا تاجر والعملة يفعلون ما شاؤوا فخذوهم بفعلهم، والعملة يوافقون المعلم على ما يفعلون من ذلك ينصبون أنفسهم للهوان والضرب بالأسواط ولا يبالون بشيء من ذلك وقد اتخذوه مهيعا متبعا.

ولقد رأيت واحدًا منهم يوما في معظم أيام البرد وقد تجرد وأعلى ظهره أحشن من الكف قد ملأ ظهره فسألت عن ذلك فقيل أثر السوط لكثرة ما ضرب وكان يجرد في صحن حمام عند ما خطر آخر من صناعته على أن يصب على رأسه من صهريج الحمام المذكور أربعين كوبا مملؤة ماء، كثيرا ما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015