وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِسَخَطِ مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ , وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ , إِنْ أَظْهَرَ عَلَى نَفْسِهِ شِعَارَ الصَّالِحِينَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ , وَقَدْ ضَيَّعَ فِي الْبَاطِنِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ , وَرَكِبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ مَوْلَاهُ , كُلُّ ذَلِكَ بِحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا قَدْ فَتَنَهُ الْعُجْبُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ , وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ , إِنْ مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَوْ مُلُوكِهَا , فَسَأَلَهُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَيْهِ سَارَعَ إِلَيْهِ وَسُرَّ بِذَلِكَ , وَإِنْ مَرِضَ الْفَقِيرُ الْمَسْتُورُ , فَسَأَلَهُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَيْهِ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَيَتْلُوهُ بِلِسَانِهِ , وَقَدْ ضَيَّعَ الْكَثِيرَ مِنْ أَحْكَامِهِ , أَخْلَاقُهُ أَخْلَاقُ الْجُهَّالِ , إِنْ أَكَلَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ , وَإِنْ شَرِبَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ , وَإِنْ لَبِسَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ , وَإِنْ جَامَعَ أَهْلَهُ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ , وَإِنْ نَامَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ , وَإِنْ صَحِبَ أَقْوَامًا أَوْ زَارَهُمْ , أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ , أَوِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِمْ , فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجْرِي بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ , وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْفَظُ جُزْءًا مِنَ الْقُرْآنِ مُطَالِبٌ لِنَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ , وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ أَخْلَاقَهُ صَارَ فِتْنَةً لِكُلِّ مَفْتُونٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ بِالْأَخْلَاقِ الَّتِي لَا تَحْسُنُ بِمِثْلِهِ , اقْتَدَى بِهِ الْجُهَّالُ , فَإِذَا عِيبَ الْجَاهِلُ , قَالَ: فُلَانٌ الْحَامِلُ لِكِتَابِ اللَّهِ فَعَلَ هَذَا , فَنَحْنُ أَوْلَى أَنْ نَفْعَلَهُ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ , فَقَدْ تَعَرَّضَ لَعَظِيمٍ , وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ , وَلَا عُذْرَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ , وَإِنَّمَا حَدَانِي عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ قَبِيحِ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ؛ نَصِيحَةً مِنِّي لِأَهْلِ الْقُرْآنِ لِيَتَخَلَّقُوا بِالْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ , وَيَتَجَانَبُوا الْأَخْلَاقَ الدَّنِيئَةَ , وَاللَّهُ يُوَفِّقُنَا وَإِيَّاهُمْ للِرَّشَادِ وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنِّي قَدْ رَوَيْتُ فِيمَا ذَكَرْتُ أَخْبَارًا تَدُلُّ عَلَى مَا كَرِهْتُهُ لِأَهْلِ الْقُرْآنِ , فَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهَا مَا حَضَرَنِي؛ لِيَكُونَ النَّاظِرُ فِي كِتَابِنَا يَنْصَحُ نَفْسَهُ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ , وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ , وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ