ويتدفّق به، إنك يا أبا حيان لو رأيته يميس وهو يهذي بهذا وشبهه، ويتفيهق فيه، ويلوي شدقه عليه، ويقذف بالبُزاق على أهل المجلس، لحمِدت الله تعالى على العافية مما بُلي به هذا الرجل.

وبعد فما بين الشاعر وبين هذا الضرب؟ الشاعر يطلب لفظاً حُراً، ومعنىً بديعاً، ونظماً حُلواً، وكلمة رشيقة، ومثالاً سهلاً، ووزناً مقبولاً.

قلت للخليلي: فما بال الناس، مع علمهم برقاعته وجنونه، قد لزِموا فِناءه، وتزاحموا على بابه؟ فقال لي: يا هذا! خلَت الدنيا من الكرم والكرام، واصطلح الناس على قلّة المباهاة بالفضائل، وكان هذا كله منوطاً بالخلافة، فانقضت أيام الصّدر الأول بالدِّين الخالص، وأيام بني مروان بالرّياء والسُّمعة، وأيام بني العباس بالمروّات والتوسع في الشهوات، ولم يبق بعد هذا شيء.

ولا بد للناس من الانتجاع، أخصبت البلاد أم أجدبت، والحِرف لا تسع الخلق، والمرتبة الواحدة لا تحفظ النظام، ولا بدَّ للناس من التقسُّم بين الرَّفعة والضَّعة، وعلى ما بينهما من الأحوال؛ على أن الكرم والعطاء، والبذل وحبّ الثناء، والهزّة والأريحية أمور قد فُقدت منذ زمان،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015