وطلع عليّ يوماً في داره وأنا قاعد في كسر رواق أكتب له شيئاً قد كادني به، فلما أبصرته قمت قائماً، صاح بحلق مشقوق: اقعد! فالورَّاقون أخسّ من أن يقوموا لنا، فهممت بكلامٍ، فقال لي الزعفراني الشاعر: احتمل فإن الرجل رقيع، فغلب علي الضّحك، واستحال الغيظ تعجُّباً من خفّته وسخفه، لأنه قال هذا وقد لَوى شِدقه وشَمَخ أنفه وأمال عنقه واعترض في انتصابه وانتصب في اعتراضه، وخرج في مَسْك مجنون قد أفلت من دير حَنون. والوصف لا يأتي على كُنه هذه الحال لأن حقائقها لا تدرك إلا باللّحظ، ولا يؤتى عليها باللفظ.
أَفهذا كلُّه من شمائل الرّؤساء وكلام الكُبراء وسِيرة أهل العقل والرّزانة؟ لا، والله! وتُرباً لمن يقول غير هذا.