الصوم ليكون تمريناً له على العبادة والطاعة ومجانبة المعاصي، وترك المنكر، والله الموافق" اهـ.
أقول: يمكن أن يقول القائل: إن التربية في هذا الزمان قد بلغت عند الأمم الراقية درجة عالية، وهي تقتضي عدم ضرب الصبيان، فهناك وسائل أخرى في الترغيب والترهيب والثواب والعقاب تغني عن الضرب، وتحبّب إلى الناشيء التعلم والعمل المثمر, فأقول في جوابه: هذا رأي يقال، والعمل في الأمم الراقية على خلافه، ففي البلاد الألمانية يفرض على كل التلميذات الحضور إلى الكنيسة مع معلمه يوم الأحد، ويشهد الصلاة والوعظ، فإن لم يحضر بلا عذر أدّب على ذلك بالضرب، وإن ترك الصلاة في الكنيسة ثلاثة آحاد متوالية طرد من المدرسة، أما الأيام الستة الباقية من الأسبوع فإن الكنيسة تبعث القسّيسين إلى المدارس يصلّون بالتلاميذ في داخل المدرسة، ويعلّمونهم دينهم ساعتين في كل يوم، ولا يستطيع التلميذ أن يتغيب في هاتين الساعتين إلاّ إذا كان على دين آخر غير المسيحية.
ولما كان سكان البلاد الألمانية على مذهبين مختلفين، كاثولكيين وبروتستانتيين، كان الواجب على وزارة التعليم يقضي بإعداد المدارس لكل الفرقتين في كل مدينة أو قرية يكون سكانها مختلفين في المذهب حتى يتمكن التلميذ الذي أبوه كاثوليكي أن يجد مدرسة على مذهبه, وكذلك التلميذ الذي يكون أبوه برتستانتي يتعلم في مدرسة موافقة لمذهبه، فإن وجدت مدينة أو قرية سكانها كلهم على مذهب واحد، وسكن بينهم عدد قليل من أهل المذهب الآخر، يبعثون أولادهم إلى المدينة الأخرى ليجد مدرسة على مذهبهم، هذا في المدارس الابتدائية والثانوية، أما الجامعات ففي كل جامعة كلية لاهوت مختصة بتعليم الدين، وهذه الكلية محترمة جداً يؤمّها الأساتذة في الأعياد والمناسبات للصلاة والسماع الوعظ، ويتخرّج منها كل سنة كثير من الدكاترة في علم الدين، وكلهم يجدون أعمالا في الكنائس والإرساليات، وتعليم الدين في المدارس العامة.
وهناك مدارس دينية خالصة تديرها الكنائس، ولها مناهجها الخاصة لا تدخل تحت وزارة التربية والتعليم، وبهذه المناسبة أذكر هنا نبأ تاريخيا يخفى على أكثر الناس، وذلك أن هتلر اختلف مع الكنيسة الكاثولكية في قضيتين: إحداهما أنه أوجب على المدارس الدينية التابعة للكنيسة أن تطبق منهج وزارة التعليم، فعدّت الكنيسة الكاثولكية ذلك تدخلا في شؤون الدين، وعدواناً على الكنيسة، والثانية أنه استولى على الذهب المخزون في الكنيسة, وفرض رواتب يعطونها من وزارة المالية، ولهاتين القضيتين انظمّ الكاثولكيون إلى اليهود في عداوة هتلر، وأخذوا يكيدون له.
وهذا كله يبطل ما ينشره دجاجلة الاستعمار الروحي من زعيمهم أن الأمم الأوروبية التي بلغت أوج الرقي هجرت الدين وضربت به عرض الحائط، وكان ذلك سبب تقدمها،