من خلال ذكر الأدلة لكل قول وما نوقشت به يتبين رجحان القول الأوّل القائل بمنع أخذ الأجرة على الإفتاء مطلقًا من المستفتي تعين عليه أم لم يتعين، وذلك لما يأتي:
أوَّلًا: قوة ما استدل به أصحاب هذا القول وبخاصة ما استدلوا به من أدلة من القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة، فإنها ظاهرة الدلالة على ما نحن بصدد.
ثانيًا: أن ما استدل به أصحاب القول الآخر، ما هي إِلَّا أدلة عقلية أمكن مناقشتها بما يضعف من حجيتها.
وعليه فإن كان للمفتي رزق من بيت المال أوكان مكفيًا مسألة الخاص فلا يحل له حينئذ أخذ الأجرة، فإن لم يكن له كفاية من بيت المال أو من ماله الخاص، فإنّه يسوغ لأهل البلد حينئذ أن يجتمعوا ويجعلوا له من أموالهم رزقًا، ليتفرغ لفتاويهم وجوابات نوازلهم، ويحل للمفتي أخذ ذلك الرزق؛ لأنّ الأرزاق معروف غير لازم لجهة معينة وهو أدخل في باب الإحسان وأبعد عن المعاوضة (?).
فإن تعذر كلّ ذلك، وكان المفتي في حاجة للكفاية، فإن لم يأخذ لحقه الضيق والضرر، وربما تعطل هذا المنصب فيلحق الحرج والضيق عموم المسلمين فإن هذه حالة ضرورة والضرورة تقدر بقدرها فيجوز القول حينئذ يحواز أخذ الأجرة للضرورة لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، والله تعالى أعلم (?).