أن القاضي إنّما يأخذ الرزق من بيت المال، وبيت المال جهة عامة وأمواله مصروفة في مصالحع المسلمين العامة، وهذا منها، فالأخذ منه لا يترتب عليه شيء ممّا ذكر في الدّليل، وإنّما قد يردّ ذلك إذا كان ما يأخذه القاضي من الخصوم وليس من بيت المال.
قالوا: إنَّ القاضي كولي اليتيم، لا يجوز له أخذ الرزق من بيت المال على القضاء، إِلَّا إذا كان فقيرًا، فالوصي يعمل في مال اليتيم كما أن القاضي يعمل للمسلمين، فكل منهما منتصبًا لمعاملة الرعية بالأحظ لهم، فإن احتاج أخذ وإن استغنى ترك (?).
يمكن مناقشة هذا الدّليل بأن القاضي فرع متردد بين أصلّين، عامل الزَّكاة وناظر اليتيم، وإلحاقه بعامل الزَّكاة أولى لعموم الحاجة إلى القاضي وحصول المصلحة العامة به، وللأدلة الدالة على جواز الرزق مع الغني وستأتي عند ذكر أدلة القول الأوّل.
استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة من السُّنَّة والأثر والمعقول.
عن عبد الله بن السعدي - رضي الله عنه - أنّه قدم على عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - من الشّام، فقال عمر: ألم أحدّث أنك تلي من أعمال النَّاس أعمالًا، فإذا أعطيت العُمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر - رضي الله عنه -: فما تريد إلى ذلك؟ فقلت: إنَّ لي أفراسًا وأعبدًا وأنا بخير، وأريد أن تكون عُمَالتي صدقة على المسلمين، فقال له عمر: لا تفعل، فإني