وقد استفاض في جواز أخذ الرزق من غير بيت المال، إذا تعذر ذلك من بيت المال، الماوردي في الحاوي حيث قال: "وإذا تعذر رزق القاضي من بيت المال، وأراد أن يرتزق من الخصوم، فإن لم يقطعه النظر عن اكتساب المادة، إمّا لغنائه بما يستجده، وإما لقلة المحاكمات الّتي لا تمنعه من الاكتساب لم يجز أن يرتزق من الخصوم، وإن كان يقطعه النظر عن اكتساب المادة مع صدق الحاجة جاز له الارتزاق منهم" (?).
ثمّ ذكر لجواز الارتزاق من غير بيت المال ثمانية شروط، ثمّ قال: "فإن اجتمع أهل البلد مع إعواز بيت المال على أن يجعلوا للقاضي من أموالهم رزقًا دارًا جاز، وكان أولى من أن يأخذه من أعيان الخصوم (?).
فهذه نقول كثيرة وصريحة عن العلماء في أن الرزق ليس خاصًا بما يؤخذ من بيت المال، بل يجوز الارتزاق من غيره، وإن شددوا في ضوابط ذلك.
وعليه، فسوف نعرّف الرزق بمعناه العام في المسألة التالية.
بعد ما تقدّم من ذكر تعريفات الرزق، والعطاء، والفرق بينهما، وأنّه لا فرق بينهما في غالب استعمالات الفقهاء، وبعد بيان أن الرزق ليس خاصًا بما يؤخذ من بيت المال، بل قد يكون مصدره الإمام، أو الفرد، أو الجمعية الخيرية، ونحو ذلك من الهيئات الخيرية المختلفة، بعد كلّ ذلك يمكن تعريف الرزق بمفهومه العام بأنه: "ما يأخذه المسلم إعانة له على أعمال القرب الّتي يتعدى نفعها للمسلمين".