بعد ذكر أدلة الأقوال، وما ورد عليها من مناقشات، وما أمكن الجواب به عن هذه المناقشات، فإنّه يترجح القول الأوّل القائل يحواز الاستئجار على الحجِّ والعمرة؛ وذلك لما يأتي:
أوَّلًا: قوة ما استدل به أصحاب هذا القول، وبخاصة ما يتعلّق بأدلة جواز النيابة في الحجِّ، فإنها نصوص صحيحة صريحة، وبعضها صريح في وقوع الحجِّ عن المحجوج عنه، فإذا جازت النيابة، وحصل النفع للمستنيب جاز أخذ الأجرة.
ثانيًا: أن ما استدل به المانعون أمكن مناقشته، والجواب عنه ممّا أضعف دلالته على المنع.
ثالثًا: أنّه من المتقرر أن الحجِّ يتكون من المال، والبدن، فإن تعذر البدن لمرض، أو موت، أو زمانه، بقيت الاستطاعة المالية، وقد تقدّم أن الستطيع بماله يدخل تحت عموم قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وليس معنى ذلك إِلَّا إعطاء الغير ما يحج به عن المستنيب، ولا يمكن إلزامه أن يحج بالنفقة فقط، أو متبرعًا، فإنّه لا قائل بذلك، فإن تعذر وجود المتبرع، أو من يكتفي بالنفقة، فإنّه يتعين حينئذٍ الاستئجار طريقًا لقضاء ما وجب في ذمة المحجوج عنه من الحجِّ الواجب، وإلا بقيت ذمته مشغولة.
ثمّ إنَّ النائب قد يكون فقيرًا، وهو كاسب أهله، ويحتاج إلى المال؛ لينفق منه على نفسه وأهله، أو يقضي دينه؛ فيكون من العدل حينئذ القول بجواز الاستئجار (?).
رابعًا: أن القول بجواز الاستئجار قول يتفق مع أصول الشّريعة، ومقاصدها العظيمة، حيث جاءت بالتيسير، ورفع الحرج، والمشقة عن المكلفين، وتيسير سبل