وتكون في القربة البدنية؛ كالغلو في العبادة، والإتيان بها على ظن أنّها قربة، أو يتكلف من العبادة ما لا يقدر عليه، أو لا يطيق المدامة عليه، فمن تكلف ما لا يطيقه، فقد تسبب إلى تبغيض عبادة الله تعالى (?). ومما يدلُّ على ذلك:
1 - ما روته عائشة رضي الله عنها أن النّبيّ -صلّي الله عليه وسلم- بعث إلى عثمان بن مظعون، فجاءه، فقال: (يا عثمان، أرغبت عن سنتي؟). قال: لا، والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب. قال: (فإني أنام، وأصلّي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النِّساء؛ فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا؛ فصم، وأفطر، وصلّ، ونم) (?).
فقد أنكر النّبيّ-صلّي الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التزامه قيام اللّيل، وصيام النهار، واجتناب النِّساء، وبيّن له أن فعله رغبة عن السُّنَّة، وغلو في الدِّين، وقد فعل عثمان ما فعل على ظن أنّه قربة.
2 - ما رواه أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ، -صلّي الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النّبيّ، -صلّي الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: فأين نحن من رسول الله، -صلّي الله عليه وسلم- وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخر؟ قال أحدهم: أمّا أنا فأصلّي اللّيل أبدًا. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر، ولا أُفطِر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النِّساء، ولا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله -صلّي الله عليه وسلم- إليهم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمّا