واعلم أن حديث معاذ بن جبل في المنام إنما فيه ذكر إسباغ الوضوء على الكريهات، وكذا في حديث أبي هريرة المبدوء بذكره في هذا الفصل، فها هنا أمران: أحدهما: إسباغ الوضوء، وهو إتمامه وإبلاغه مواضعه الشرعية كالثوب السابغ المُغطي للبدن كله، وفي مسند الزّار عن عثمان مرفوعاً: " من توضأ فأسبغ الوضوء غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ". وإسناده لا بأس به، وأخرجه ابن عاصم من وجهٍ آخر عن عثمان.
وخرج النسائي وابن ماجة من حديث أبي مالك الأشعري عن النبي (قال: " إسباغ الوضوء شطر الإيمان "، وخرجه مسلم، ولفظه: " الطهور شطر الإيمان ".
وثانيهما: أن يكون إسباغه على الكريهات، والمراد أن يكون على حالةٍ تكره النفس فيها الوضوء، وقد فسر بحال نزول المصائب فإن النفس حينئذ تطلب الجزع فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان كما قال عز وجل: (استعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين) وقال تعالى (يا أيُّها الذين آمنوا استعينوا بالصبرِ