أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «نَهَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفًا، وَلَكِنَّ بَعْضَهَا مِنَ الْجُمَلِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمُفَسَّرِ، وَبَعْضُهَا أُدِّيَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا أُدِّيَ فِي بَعْضِهِ، قَالَ: فَسَأَلَنِي مُقَدَّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ يُكْثِرُ خِلَافَنَا، وَيُدْخِلُ الْمُجْمَلَ عَلَى الْمُفَسَّرِ، وَالْمُفَسَّرَّ عَلَى الْمُجْمَلِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، أَمُخْتَلِفَةٌ هِيَ؟ قُلْتُ: مَا يُخَالِفُ مِنْهَا وَاحِدٌ وَاحِدًا، قَالَ: فَأَبِنْ لِي مِنْ أَيْنَ اتَّفَقَتْ وَلَمْ تَخْتَلِفْ؟ قُلْتُ: أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لِمُبْتَاعٍ طَعَامًا بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَهُوَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ أَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَانَ كَمَنْ لَا بَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا» ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ إِذْ قَالَ: أَمَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَالطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُعْلَمَ، يَعْنِي حَتَّى يُكَالَ، وَإِذَا اكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي فَقَدِ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَوْضَحَ مَعْنًى مِنْهُ، فَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَدِيثُ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْمَرْءِ، وَلَكِنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى بَائِعِهَا، وَإِذَا أَتَى بِهَا الْبَائِعُ لَزِمَتِ الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَتْ بَيْعَ عَيْنٍ، بَيْعُ الْعَيْنِ إِذَا هَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُبْتَاعِ انْتَقَضَ فِيهَا الْبَيْعُ، وَلَا يَكُونُ بَيْعُ الْعَيْنِ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ فَيَأْتِيَ بِمِثْلِهِ إِذَا هَلَكَتْ، فَقَالَ: كُلُّ مَا قُلْتَ كَمَا قُلْتُ، وَبِهِ أَقُولُ، فَقُلْتُ لَهُ: وَلَا نَجْعَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَبَدًا، إِذَا وُجِدَ السَّبِيلُ إِلَى أَنْ يَكُونَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فَلَا نُعَطِّلُ مِنْهُمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي كُلٍّ مَا عَلَيْنَا فِي صَاحِبِهِ، وَلَا نَجْعَلُ الْمُخْتَلِفَ إِلَّا فِيمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ أَبَدًا إِلَّا بِطَرْحِ صَاحِبِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِلَى أَنْ يَجْعَلَهَا مُخْتَلِفَةً فَيَقُولُ: حَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَدُومَ النَّبِيِّ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُسَلِّفُوا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَهَذَا أَوَّلُ مَقْدِمِهِ، ثُمَّ حَكَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَإِنَّمَا صَحِبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، أَنَّ النَّبِيَّ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَالسَّلَفُ فِي صِفَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَلَا يَحِلُّ السَّلَفُ، هَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: السَّلَفُ صِنْفٌ مِنَ الْبَيْعِ غَيْرُ بَيْعِ الْعَيْنِ، وَنَسْتَعْمِلُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا، وَنَجِدُ عَوَامَّ الْمُفْتِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُمَا، وَفِي اسْتِعْمَالِ عَوَامِّ الْمُفْتِينَ إِيَّاهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ تُلْزِمُهُمْ بِأَنْ يَسْتَعْمِلُوا كُلَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، وَلَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ هَذَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ مَعَ مَنِ اسْتَعْمَلَهُمَا دُونَ مَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: هَكَذَا الْحُجَّةُ عَلَيْكَ فِي كُلِّ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ تَجْعَلَ الْمُفَسَّرَ مَرَّةً حُجَّةً عَلَى الْمُجْمَلِ، وَالْمُجْمَلَ حُجَّةً عَلَى الْمُفَسَّرِ، فِي الْقَسَامَةِ، وَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْبَيِّنَةِ -[665]- عَلَى الْمُدَّعِي، وَبَيْعِ الْعَرَايَا، وَالْمُزَابَنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَثُرَ مِمَّا أَسْمَعُكَ تَذْهَبُ فِيهِ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي أَرَى أَنْ تُقَلِّبَهَا عَنْ طَرِيقِ النَّصِّ، بِأَنَّهَا تُضَادُّ انْتِشَارَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّكَ تَذْهَبُ فِيهَا إِلَى الِاسْتِتَارِ مِنْ كَثْرَةِ خِلَافِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ لَعَلَّهُ لَا يُبْصِرُ فِي أَنْ قَالَ: ذَلِكَ مِمَّنْ يَعِيبُ عَلَيْكَ خِلَافَ الْحَدِيثِ