اختلاف الحديث (صفحة 289)

أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَى نَافِعٍ يَسْأَلُونَهُ: هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَ عُمَرَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ، دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ: رَاجِعْ، إِلَّا مَا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا فِي ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ، وَإِنَّ مَعْرُوفًا فِي اللِّسَانِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: رَاجِعِ امْرَأَتَكَ، إِذَا افْتَرَقَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ شَبِيهٌ بِهِ، وَنَافِعٌ أَثْبَتُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَالْأَثْبَتُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إِذَا خَالَفَهُ، وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّثْبِيتِ فِي الْحَدِيثِ، فَقِيلَ لَهُ: أَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ تَطْلِيقَةً؟ فَقَالَ: فَمَهْ، أَوَانُ عَجْزٍ، يَعْنِي أَنَّهَا حُسِبَتْ. قَالَ: وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُحْسَبُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، لَمْ يُخَصِّصْ طَلَاقًا دُونَ طَلَاقٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا وَافَقَ ظَاهَرَ كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْحَدِيثِ أَوْلَى أَنْ يَثَبُتَ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا مَلَّكَ الْأَزْوَاجَ الطَّلَاقَ، وَجَعَلَهُ إِحْدَاثَ تَحْرِيمِ الْأَزْوَاجِ بَعْدَ أَنْ كُنَّ حَلَالًا، وَأُمِرُوا أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ فِي الطُّهْرِ، فَطَلَّقَ رَجُلٌ فِي خِلَافِ الطُّهْرِ لَمْ تَكُنِ الْمَعْصِيَةُ إِنْ كَانَ عَالِمًا تَطْرَحُ عَنْهُ التَّحْرِيمَ، ثُمَّ إِذَا حُرِّمَتْ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ مُطِيعٌ فِي وَقْتِهِ كَانَتْ حَرَامًا بِالطَّلَاقِ إِذْ كَانَ عَاصِيًا فِي تَرْكِهِ الطَّلَاقَ فِي الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَزِيدُ الزَّوْجَ خَيْرًا إِنْ لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ لِقَوْلِهِ: فَلَمْ تُحْسَبْ شَيْئًا، وَجْهٌ؟ قِيلَ: لَهُ الظَّاهِرُ، فَلَمْ تُحْسَبْ تَطْلِيقَةً، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَمْ تُحْسَبْ شَيْئًا صَوَابًا غَيْرَ خَطَأٍ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ أَنْ لَا يُقِيمَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا الَّذِي طَلَّقَ طَاهِرًا امْرَأَتَهُ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ، أَوْ أَخْطَأَ فِي جَوَابٍ أَجَابَ بِهِ: لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا صَوَابًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015