يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَا أَدْرِي مَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قُلْتُ: قَدْ بَدَأْنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ الَّذِي لَا يُشْكَلُ عَلَيْكَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعًا. قَالَ الرَّبِيعُ: أَنَا شَكَكْتُ، وَقَدْ أَقَامَ النَّبِيُّ بِالْمَدِينَةِ سِنِينَ سِوَى مَا أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَقْدِمِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَبْلَ أَنْ يَصْحَبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ نَاسِخًا لِمَا بَعْدَهُ، قَالَ: لَا، قُلْتُ لَهُ: لَوْ كَانَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مُخَالِفًا حَدِيثَ عِمْرَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا قُلْتَ، وَكَانَ عَمْدُ الْكَلَامِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ فِي صَلَاةٍ، كَهُوَ إِذَا تَكَلَّمْتَ وَأَنْتَ تَرَى أَنَّكَ أَكْمَلْتَ الصَّلَاةَ، أَوْ نَسِيتَ الصَّلَاةَ، كَانَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخًا، وَكَانَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِنَاسِخٍ وَلَا مَنْسُوخٍ، وَلَكِنْ وَجْهُهُ مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الذِّكْرِ، وَأَنَّ التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ إِذَا كَانَ هَكَذَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَانَ النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ، وَتَكَلَّمَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْكَلَامَ مُبَاحٌ بِأَنْ يَرَى أَنْ قَدْ قَضَى الصَّلَاةَ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِيهَا، لَمْ تَفْسُدِ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَأَنْتُمْ تَرْوُونَ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ؟ قُلْتُ: فَاجْعَلْ هَذَا كَيْفَ شِئْتَ، أَلَيْسَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ بِالْمَدِينَةِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَالْمَدِينَةُ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: وَلَيْسَتْ لَكَ إِذَا كَانَ كَمَا أَرَدْتُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا وَصَفْتُ، وَقَدْ كَانَتْ بَدْرٌ بَعْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، قَالَ: أَفَذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي رَوَيْتُمْ عَنْهُ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ؟ قُلْتُ: لَا، عِمْرَانُ يُسَمِّيهِ الْخِرْبَاقَ وَيَقُولُ: قَصِيرُ الْيَدَيْنِ، أَوْ مَدِيدُ الْيَدَيْنِ، وَالْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَلَوْ كَانَ كِلَاهُمَا ذَا الْيَدَيْنِ كَانَ اسْمًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَافَقَ اسْمًا كَمَا تَتَّفِقُ الْأَسْمَاءُ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ: فَلَنَا حُجَّةٌ أُخْرَى، قُلْنَا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ حَكَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ بَنِي آدَمَ» ، فَقُلْتُ: فَهَذَا عَلَيْكَ وَلَا لَكَ، إِنَّمَا يَرْوِي مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْتُ، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: هُوَ خِلَافُهُ، قُلْتُ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، وَنُكَلِّمُكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ أَمْرِ ذِي الْيَدَيْنِ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ، وَيَلْزَمُكَ فِي قَوْلِكَ أَنْ يَصْلُحَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا فِيمَا حَكَيْتُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُحْكَ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، فَهُوَ فِي مِثْلِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَامِدًا لِلْكَلَامِ فِي حَدِيثِهِ، إِلَّا أَنَّهُ حَكَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ وَهُوَ جَاهِلٌ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: هَذَا فِي حَدِيثِهِ كَمَا ذَكَرْتَ، قُلْتُ: فَهُوَ عَلَيْكَ إِنْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْتَهُ، وَلَيْسَ لَكَ إِنْ كَانَ كَمَا قُلْنَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ أَقُولُ: إِنَّهُ مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: فَإِنَّكُمْ خَالَفْتُمْ حِينَ فَرَّعْتُمْ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ، قُلْتُ: فَخَالَفْنَاهُ فِي الْأَصْلِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ فِي الْفَرْعِ، قُلْتُ: فَأَنْتَ خَالَفْتَهُ فِي نَصِّهِ، وَمَنْ خَالَفَ النَّصَّ عِنْدَكَ أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ ضَعُفَ نَظَرُهُ فَأَخْطَأَ التَّفْرِيعَ، قَالَ: نَعَمْ، وَكُلٌّ غَيْرُ مَعْذُورٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: فَأَنْتَ خَالَفْتَ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ، وَلَمْ نُخَالِفْ نَحْنُ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَا مِنْ فَرْعِهِ، حَرْفًا وَاحِدًا، فَعَلَيْكَ مَا عَلَيْكَ فِي خِلَافِهِ، وَفِيمَا قُلْتَ: مِنْ أَنَّا خَالَفْنَا مِنْهُ مَا لَمْ نُخَالِفْهُ، قَالَ: فَأَسْأَلُكَ حَتَّى أَعْلَمَ أَخَالَفْتَهُ أَمْ لَا؟ قُلْتُ: فَسَلْ، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي إِمَامٍ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ: قَدِ انْصَرَفْتَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَسَأَلَ آخَرِينَ، فَقَالُوا: صَدَقَ؟ قُلْتُ: أَمَّا الْمَأْمُومُ الَّذِي أَخْبَرَهُ، وَالَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّهُ صَدَقَ، وَهُمْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ صَلَاتَهُ، فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ، قَالَ: فَأَنْتَ تَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى، وَتَقُولُ قَدْ قَضَى مَعَهُ مَنْ حَضَرَ، وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ فِي الْحَدِيثِ؟ قُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: فَقَدْ خَالَفْتَهُ، قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ حَالُ إِمَامِنَا مُفَارِقَةٌ حَالَ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَأَيْنَ افْتِرَاقُ حَالَيْهِمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِمَامَةِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ يُنْزِلُ فَرَائِضَهُ عَلَى رَسُولِهِ فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ، فَيَفْرِضُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ، وَيُخَفِّفُ عَنْهُ بَعْضَ فَرْضِهِ، قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: وَلَا نَشُكُّ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ وَلَا مُسْلِمٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إِلَّا هُوَ يَرَى أَنْ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ، قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: فَلَمَّا فَعَلَ لَمْ يَدْرِ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ بِحَادِثٍ مِنَ اللَّهِ أَمْ نَسِيَ النَّبِيُّ، وَكَانَ