حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ لِعَمْرَةَ، فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ، وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ» . قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، يَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟» أَوْ كَمَا قَالَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَهَيْتَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ حَضْرَةَ الْأَضْحَى، فَكُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَادَّخِرُوا» . قَالَ: فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ إِمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ إِذْ كَانَتِ الدَّافَّةُ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى مَعْنَى الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ: يُشْبِهُ الِاخْتِيَارَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبُدْنِ {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 36] ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْبُدْنِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا أَصْحَابُهَا، لَا الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِهَا، وَإِنَّمَا أَكْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَدْيِهِ أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا، فَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنَ الْهَدْيِ كُلِّهِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ زَكَاتِهِ، وَلَا مِنْ كَفَّارَةٍ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، فَأَكَلَ بَعْضَهُ، فَلَمْ يُخْرِجْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ، وَأُحِبُّ لِمَنْ أَهْدَى نَافِلَةً أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] ، وَقَوْلِهِ {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] ، الْقَانِعُ: هُوَ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الزَّائِرُ وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ، فَإِذَا أَطْعَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ مِنَ الْمُطْعِمِينَ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ مَا أَكْثَرَ أَنْ يُطْعِمَ ثُلُثًا، وَيَهْدِي ثُلُثًا، وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا، وَيَهْبِطَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَالضَّحَايَا مِنْ هَذِهِ السَّبِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأُحِبُّ إِنْ كَانَتْ فِي النَّاسِ مَخْمَصَةٌ أَنْ لَا يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ أُضْحِيَتِهِ، وَلَا مِنْ هَدْيِهِ، أَكْثَرَ مِنْ -[644]- ثَلَاثٍ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّافَّةِ، فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ، أَوْ أُضْحِيَّةٍ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِلْضَحِيَّةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إِذْ جَاءَهُ قَانِعٌ أَوْ مُعْتَرٌّ أَوْ بَائِسٌ فَقِيرٌ شَيْئًا؛ لِيَكُونَ عِوَضًا مِمَّا مَنَعَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى. قَالَ: وَمَنْ ضَحَّى قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَتَكَلَّمُ فَيَفْرَغُ، فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَعَادَ، وَلَا أَنْظُرُ إِلَى انْصِرَافِ الْإِمَامِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ وَيُقَدِّمُ، وَكَذَا لَوْ قَدِمَ الْإِمَامُ فَصَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَضَحَّى رَجُلٌ أَعَادَ، إِنَّمَا الْوَقْتُ فِي قَدْرِ صَلَاةِ النَّبِيِّ الَّتِي كَانَ يَضَعُهَا مَوْضِعَهَا