حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَيَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ يَوْمَهُ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِمَعَانٍ، مِنْهَا أَنَّهُمَا زَوْجَتَاهُ، وَزَوْجَتَاهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْ رَجُلٍ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ سَمَاعًا أَوْ خَبَرًا، وَمِنْهَا أَنَّ عَائِشَةَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحِفْظِ، وَأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَافِظَةٌ، وَرِوَايَةُ اثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ، وَمِنْهَا أَنَّ الَّذِيَ رَوَتَا عَنِ النَّبِيِّ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَعْقُولِ، وَالْأَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا يُعْرَفُ مِنْهُ فِي الْمَعْقُولِ؟ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْجِمَاعُ وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ مُبَاحًا فِي اللَّيْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَمْنُوعًا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَكَانَ الْجِمَاعُ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَمَا كَانَ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مُبَاحًا؟ فَإِذَا قِيلَ: بَلَى، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ الْغُسْلَ هُوَ الْجِمَاعُ أَمْ هُوَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْجِمَاعِ؟ فَإِنْ قَالَ: هُوَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْجِمَاعِ، قِيلَ: وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ عَلَى الصَّائِمِ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: فَبِذَلِكَ زَعَمْنَا أَنَّ الرَّجُلَ يُتِمُّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَيُتِمُّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْ فِي نَهَارٍ، وَأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يُوجِبُ إِفْطَارًا، فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ سُنَّةٌ تُشْبِهُ هَذَا؟ قِيلَ: نَعَمْ، الدَّلَالَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ، وَقَدْ كَانَ تَطَيَّبَ حَلَالًا قَبْلُ، يُحْرِمُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ لَوْنُهُ وَرَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ التَّطَيُّبِ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ، وَهَذَا فِي أَكْثَرِ مَعْنَى مَا يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ مِنْ جِمَاعٍ مُتَقَدِّمٍ، قَبْلُ يَحْرُمُ الْجِمَاعُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنَّى تَرَى الَّذِي رَوَى خِلَافَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ؟ قِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: قَدْ يَسْمَعُ الرَّجُلُ سَائِلًا يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ جَامَعَ أَهْلَهُ بِلَيْلٍ، وَأَقَامَ بَعْدَ الْفَجْرِ شَيْئًا، فَأُمِرَ بِأَنْ يَقْضِيَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِمَاعِ قَدْ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ إِذَا أَمْكَنَ هَذَا عَلَى مُحَدِّثٍ ثِقَةٍ ثَبَتَ حَدِيثُهُ، وَلَزِمَتْ بِهِ حُجَّةٌ؟ قِيلَ: كَمَا يَلْزَمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْحَكَمُ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ مَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا غَيْرُهُمَا، وَقَدْ يُمْكِنُ عَلَيْهِمَا الْغَلَطُ وَالْكَذِبُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا إِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَوْ شَهِدَ غَيْرُهُمَا بِضِدِّ شَهَادَتِهِمَا، كَمَا يَسْتَعْمِلُهَا إِذَا انْفَرَدَا، فَحُكْمُ الْمُحَدِّثُ لَا يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ كَحُكْمِ غَيْرِهِمَا، وَيَحُولُ حُكْمُهُ إِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ بِمَا وَصَفْتُ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى الْأَحْفَظِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ بِمَا وَصَفْتُ بِمَا لَا يُؤْخَذُ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِحَالٍ إِنْ كَانَ إِلَّا قَلِيلًا