اختلاف الحديث (صفحة 14)

عَلَى عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى عَامَّةِ الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا الْحُيَّضَ، فَأَبَانَ مِنْهَا الْمَعَانِيَ الَّتِي وَصَفْتُ، وَأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ عَنِ الْحُيَّضِ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] وَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ الْوُضُوءَ، فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِينَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى صَلَاتَيْنِ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَامَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. وَذَهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَائِمِينَ مِنَ النَّوْمِ، وَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ اللَّهُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ. وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرْهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَالَ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: 56] فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ الْآيَةِ بِالزَّكَاةِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ، بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مِنَ أَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ، وَأَنَّ مِنْهَا مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا أَوْ عَدَدًا، فَإِذَا بَلَغَهُ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا يُؤْخَذُ بِعَدَدٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِكَيْلٍ وَشَيْئًا يُؤْخَذُ بِوَزْنٍ، وَأَنَّ مِنْهَا مَا زَكَاتُهُ خُمُسٌ، وَعُشْرٌ، وَرُبُعُ عُشْرٍ، وَشَيْءٌ بِعَدَدٍ. وَقَالَ اللَّهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَمَا يَدْخُلُ بِهِ فِيهِ، وَمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْهُ، وَمَا يَعْمَلُ فِيهِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَقَالَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا، فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَرَادَ بِهَذَا بَعْضَ السَّارِقِينَ بِقَوْلِهِ: تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَرَجَمَ الْحُرَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى بَعْضِ السُّرَّاقِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْجَلْدَ عَلَى بَعْضِ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ، فَقَدْ يَكُونُ سَارِقًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ، وَسَارِقًا لَا تَبْلُغُ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ فَلَا يُقْطَعُ، وَيَكُونُ زَانِيًا ثَيِّبًا فَلَا يُجْلَدُ مِائَةً. فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ أَنْ لَا يَشُكَّ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا قَامَتْ هَذَا الْمَقَامِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فِي أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ فَرْضَهُ بِكِتَابِهِ، وَبَيَّنَ كَيْفَ مَا فَرَضَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ، كَانَتْ كَذَلِكَ سُنَّتُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَخْتَلِفُ، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: تُعْرَضُ السُّنَّةُ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَهُ وَإِلَّا اسْتَعْمَلْنَا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَتَرَكْنَا الْحَدِيثَ جَهْلٌ لِمَا وَصَفْتُ، فَأَبَانَ اللَّهُ لَنَا أَنَّ سُنَنَ رَسُولِهِ فَرْضٌ عَلَيْنَا بِأَنْ نَنْتَهِيَ إِلَيْهَا لَا أَنَّ لَنَا مَعَهَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا إِلَّا التَّسْلِيمَ لَهَا وَاتِّبَاعَهَا، وَلَا أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى قِيَاسٍ وَلَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهَا، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهَا مِنْ قَوْلِ الْآدَمِيِّينَ تَبَعٌ لَهَا. قَالَ: فَذَكَرْتُ مَا قُلْتَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَكُلُّهُمْ قَالَ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمِيعِ مَنْ رَضِينَا مِمَّنْ لَقِينَا، وَحُكِيَ لَنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقُلْتُ لِأَلْحَنَ مَنْ خَبَرْتُ مِنْهُمْ عِنْدِي بِحُجَّةٍ وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا فِيمَا عَلِمْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَمْرٍ فَهَلْ يَجُوزُ خِلَافُهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: وَحُجَّتُنَا حُجَّتُكَ عَلَى مَنْ رَدَّ الْأَحَادِيثَ وَاسْتَعْمَلَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، فَقَطَعَ السَّارِقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَلْزَمُهُ، وَأَبْطَلَ الرَّجْمَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَعَلَى مَنِ اسْتَعْمَلَ بَعْضَ الْحَدِيثَ مَعَ هَؤُلَاءِ، وَقَالَ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَصَدَ الْقَدَمَيْنِ بِغَسْلٍ أَوْ مَسْحٍ، وَعَلَى آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ أَحَلُّوا كُلَّ ذِي رُوحٍ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهُ فِي الْقُرْآنِ لِقَوْلِ اللَّهِ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] وَقَالُوا: قَالَ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، فَحَرَّمْنَا كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ بِخَبَرٍ مِنْ ثِقَةٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «نَعَمْ هَذِهِ حُجَّتُنَا وَكَفَى بِهَا حُجَّةً» . وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا فِي أَحَدٍ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا حَدِيثٍ مِثْلِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ بِرَسُولِ اللَّهِ الشَّيْءُ مِنْ سُنَّتِهِ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ، وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ أَخَذُوا بِبَعْضِ الْحَدِيثِ فَقَدْ سَلَكُوا فِي تَرْكِ تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَتَرْكُ الْمَسْحِ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015