أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا وَصَفْتَ غَيْرَ مَا ذَكَرْتَ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَرَأَيْتَ إِذْ أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؟ أَمَا فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْتُوا الْكِتَابَ؟ فَقَالَ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: خُذْ مِنْ صِنْفٍ كَذَا، فَقَدْ مَنَعَ مِنَ الصِّنْفِ الَّذِي يُخَالِفُهُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ حِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُقَاتَلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَأَمَرَ إِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَنْ يُقْتَلَ الْمُشْرِكُونَ حَيْثُ وُجِدُوا، وَيُؤْخَذُوا وَيُحْصَرُوا، وَيُقْعَدَ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوَا الزَّكَاةَ خُلِّيَ سَبِيلُهُمْ، أَمَا فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَأَنَّ الْفَرْضَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُهُ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ؟ قَالَ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَيَدُلُّ عَلَى ما وَصَفْتَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْتُ لَهُ: وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ حَدِيثَ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَامٌّ، بِأَنْ يُدْعَوْا إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ كُلُّ مُشْرِكٍ وَثَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، قُلْتُ لَهُ: وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: " لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " عَامُّ الْمَخْرَجِ، فَإِنْ قَالَ جَاهِلٌ: بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، فَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ، هَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا كَهِيَ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى جُمْلَةِ حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، وَادَّعَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَاسِخٌ لَهُ، قَالَ: مَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَدِيثَيْنِ شَيْءٌ، إِلَّا كَمَا لِصَاحِبِهِ مِثْلُهُ، لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْحَدِيثَانِ