أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا وَقَالَ: " فَإِذَا لَقِيتَ عَدُوًّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِلَالٍ، أَوْ ثَلَاثِ خِصَالٍ، شَكَّ عَلْقَمَةُ: ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، وَادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنِ اخْتَارُوا الْمُقَامَ فِي دَرَاهِمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنَ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى، وَلَا وَاحِدٌ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ، وَلَا مُخَالِفًا لَهُ، وَلَكِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ وَالْآيَتَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي مَخْرَجُهُ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ، وَمِنَ الْمُجْمَلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُفَسَّرُ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ أَمْرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ أَكْثَرُ مَنْ قَاتَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ، وَذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِيَّاهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفَرَضَ اللَّهُ قِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ بُرَيْدَةَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً، كَمَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً، قَالَ: فَالْفَرْضُ فِي قِتَالِ مَنْ دَانَ وَآبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُقَاتَلُوا، إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا، وَلَا يَحِلُّ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، قَالَ: وَالْفَرْضُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ دَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهُ دِينَهُمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أَوْ يُسْلِمُوا، وَسَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا، قَالَ: وَلِلَّهِ كُتُبٌ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، الْمَعْرُوفُ مِنْهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ غَيْرَهُمَا، فَقَالَ: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] ، وَلَيْسَ تُعْرَفُ تِلَاوَةُ كُتُبِ إِبْرَاهِيمَ، وَذَكَرَ زَبُورَ دَاوُدَ فَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] . قَالَ: الْمَجُوسُ أَهْلُ كِتَابٍ غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ، فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ