1719 - حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: إِنَّ صَدَقَةَ بْنَ أَبِي صَدَقَةَ حَدَّثَهُمَا عَنِ -[16]- أَبِيهِ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا فِي سُوقِ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ، مَعَهَا صَبِيٌّ يَبْكِي، وَهِيَ تُسْكِتُهُ، فَيَأْبَى أَنْ يَسْكُتَ، فَسَفَرَتْ، وَإِذَا فِي فِيهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَدَفَعَتْهَا إِلَى الصَّبِيِّ فَسَكَتَ، وَإِذَا وَجْهٌ رَقِيقٌ دُرِّيٌّ، وَإِذَا شَكْلٌ رَطْبٌ، وَلِسَانٌ طَوِيلٌ، فَلَمَّا رَأَتْنِي أُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا قَالَتِ: اتْبَعْنِي، قُلْتُ: إِنَّ شَرِيطَتِي الْحَلَالُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَتْ: فِي حِرِّ أُمِّكَ، مَنْ أَرَادَكَ عَلَى الْحَرَامِ؟ فَخَجِلْتُ، وَغَلَبَتْنِي نَفْسِي عَلَى رَأْيِي، فَاتَّبَعْتُهَا، فَدَخَلَتْ زُقَاقَ الْعَطَّارِينَ، ثُمَّ صَعَدَتْ دَرَجَةً وَقَالَتِ: اصْعَدْ فَصَعِدْتُ، فَقَالَتْ: إِنِّي مَشْغُولَةٌ، وَزَوْجِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَلَكِنْ عِنْدِي هَنٌ ضَيِّقٌ، يَعْلُوهُ وَجْهٌ أَحْسَنُ مِنَ الْعَافِيَةِ بِخُلُقِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَتَرَنُّمِ مَعْبَدٍ، وَتِيهِ ابْنِ عَائِشَةَ، وَتَخَنُّثِ طُوَيْسٍ، اجْتَمَعَ هَذَا كُلُّهُ فِي بَدَنٍ وَاحِدٍ بِأَصْفَرِ سُلَيْمٍ، قُلْتُ: وَمَا أَصْفَرُ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: دِينَارُ يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ، فَإِذَا أَقَمْتَ فَعَلَيْكَ الدِّينَارُ وَظِيفَةً، وَتَزَوَّجْهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا، قُلْتُ: فِدَاكِ أَبِي وَأُمِّي، إِنِ اجْتَمَعَ لِي مَا ذَكَرْتِ فَلَيْسَتْ فِي الدُّنْيَا، فَهَذِهِ شَرَائِطُ الْجَنَّةِ، قَالَتْ: هَذِهِ شَرِيطَتُكَ قُلْتُ: وَأَيْنَ هَذِهِ الصِّفَةُ؟ فَصَفَّقَتْ بِيَدِهَا إِلَى جَارَةٍ لَهَا، فَأَجَابَتْهَا، فَقَالَتْ: قُولِي لِفُلَانَةَ: الْبَسِي عَلَيْكِ -[17]- ثِيَابَكِ، وَعَجِّلِي، وَبِحَيَاتِي عَلَيْكِ لَا تَمَسِّي طِيبًا وَلَا غُمْرًا، فَتَحْتَسِينَا بِدَلَالِكِ وَعِطْرِكِ، قَالَ: فَإِذَا جَارِيَةٌ قَدْ أَقْبَلَتْ مَا أَحْسَبُ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الشَّمْسُ قَطُّ، كَأَنَّهَا صُورَةٌ، فَسَلَّمَتْ وَقَعَدَتْ كَالْخَجِلَةِ، فَقَالَتِ الْأُولَى: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُكِ لَهُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْهَيْئَةِ الَّتِي تَرَيْنَ، قَالَتْ: حَيَّاهُ اللهُ وَقَرَّبَ دَارَهُ، قَالَتْ: وَقَدْ بَذَلَ لَكِ مِنَ الصَّدَاقِ دِينَارًا؟ قَالَتْ: أَيْ أُمِّ، أَخْبَرْتِيهِ بِشَرِيطَتِي قَالَتْ: لَا وَاللهِ أَيْ بُنَيَّةُ، أُنْسِيتُهَا، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَيَّ، فَغَمَزَتْنِي، فَقَالَتْ: تَدْرِي مَا شَرِيطَتُهَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: أَقُولُ لَكَ بِحَضْرَتِهَا مَا إِخَالُهَا تَكْرَهُهُ، هِيَ أَفْتَكُ مِنْ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيٍّ، وَأَشْجَعُ مِنْ رَبِيعَةَ بْنِ مُكَدَّمٍ، وَلَيْسَ تُوصَلُ إِلَيْهَا حَتَّى تَسْكَرَ، وَيُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ تِلْكَ الْحَالَ فَفِيهَا الْمَطْمَعُ، قُلْتُ: مَا أَهْوَنَ هَذَا وَأَسْهَلَهُ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: تَرَكْتِ شَيْئًا أَيْضًا، قَالَتْ: نَعَمْ وَاللهِ، اعْلَمْ أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تَتَجَرَّدَ فَتَرَاكَ مُجَرَّدًا مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا أَفْعَلُهُ، قَالَتْ: هَلُمَّ دِينَارَكَ، فَأَخْرَجْتُ دِينَارًا، فَنَبَذَتْهُ إِلَيْهَا، فَصَفَّقَتْ تَصْفِيقَةً أُخْرَى، فَأَجَابَتْهَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: قُولِي لِأَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ: هَلُمَّا السَّاعَةَ، قُلْتُ: يَا نَفْسِي، أَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَإِذَا شَيْخَانِ خَصِيَّانِ قَدْ أَقْبَلَا، فَقَعَدَا، فَقَصَّتْ عَلَيْهِمَا الْمَرْأَةُ الْقِصَّةَ، فَخَطَبَ -[18]- أَحَدُهُمَا، وَأَجَابَ الْآخَرُ، وَأَقْرَرْتُ بِالتَّزْوِيجِ، وَأَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ، وَدَعَوْا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ نَهَضَا، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أُحَمِّلَ الْجَارِيَةَ مَئُونَةً مِنَ الدُّنْيَا، فَدَفَعْتُ إِلَيْهَا دِينَارًا آخَرَ، فَقُلْتُ: هَذَا لِطِيبِكِ قَالَتْ: يَا فَتَى، لَسْتُ مِمَّنْ يَمَسُّ طِيبًا لِرَجُلٍ، إِنَّمَا أَتَطَيَّبُ لِنَفْسِي إِذَا خَلَوْتُ، فَقُلْتُ: اجْعَلِي هَذَا لِغَدَائِنَا الْيَوْمَ قَالَتْ: أَمَّا هَذَا، فَنَعَمْ، وَنَهَضَتِ الْجَارِيَةُ، وَأَمَرَتْ بِصَلَاحِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ، ثُمَّ عَادَتْ وَتَغَدَّيْنَا، وَجَاءَتْ بِدَوَاةٍ , وَقَضَيبٍ، وَقَعَدَتْ تُجَاهِي، وَدَعَتْ بِنَبِيذٍ قَدْ أَعَدَّتْهُ، وَانْدَفَعَتْ تُغَنِّينَا بِصَوْتٍ لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ بِمِثْلِهِ وَمَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ تَرَنُّمِهَا لِأَحَدٍ، فَكِدْتُ أَنْ أُجَنَّ سُرُورًا وَطَرَبًا، وَجَعَلْتُ أُرِيغُ أَنْ تَدْنُوَ مِنِّي فَتَأْبَى، إِلَى أَنْ تَغَنَّتْ بِشَعْرٍ لَا أَعْرِفُهُ:

[البحر الكامل]

رَاحُوا يَصِيدُونَ الظِّبَاءَ وَإِنَّنِي ... لَأَرَى تَصَيُّدَهَا عَلَيَّ حَرَامَا

أَعْزِزْ عَلَيَّ بِأَنْ أُرَوِّعَ شِبْهَهَا ... أَوْ أَنْ يَذُقْنَ عَلَى يَدَيَّ حِمَامَا

فَقُلْتُ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكِ، مَنْ تَغَنَّى بِهَذَا الشَّعْرِ؟ قَالَتْ: جَمَاعَةٌ اشْتَرَكُوا فِيهِ هُوَ لِمَعْبَدٍ، وَتَغَنَّى بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ عَائِشَةَ، فَلَمَّا غَلَبَ عَلَيْهَا النَّبِيذُ، وَجَاءَ الْمَغْرِبُ، تَغَنَّتْ بِبَيْتٍ لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ لِلشَّقَاءِ الَّذِي كُتِبَ عَلَى رَأْسِي وَالْهَوَانِ الَّذِي أُعِدَّ لِي:

[البحر الوافر]

كَأَنِّي بِالْمُجَرَّدِ قَدْ عَلَتْهُ ... نِعَالُ الْقَوْمِ أَوْ خَشَبُ السَّوَارِي

فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكِ، مَا أَفْهَمُ هَذَا الشَّعْرَ، وَلَا أَحْسَبُهُ مِمَّا يُتَغَنَّى بِهِ، فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَغَنَّى فِيهِ، قُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ بَيْتٌ عَائِرٌ قَالَتْ: -[19]- مَعَهُ آخَرُ، قُلْتُ: فَتَرَيْنَ أَنْ تُغَنِّيَهُ لِعَلِّي أَفْهَمُهُ؟ قَالَتْ: لَيْسَ هَذَا وَقْتَهُ وَهُوَ مِنْ آخِرِ مَا أَتَغَنَّى بِهِ، وَجَعَلْتُ لَا أُنَازِعُهَا فِي شَيْءٍ إِجْلَالًا لَهَا وَإِعْظَامًا، فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَصَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ، وَجَاءَتِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَضَعْتُ الْقَضِيبَ، وَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ الْعِشَاءَ، وَلَا أَدْرِي كَمْ صَلَّيْتُ عَجَلَةً وَتَشَوُّقًا، فَلَمَّا سَلَّمْتُ قُلْتُ: تَأْذَنِينَ جُعِلْتُ فِدَاكِ فِي الدُّنُوِّ مِنْكِ، قَالَتْ: تَجَرَّدْ، وَذَهَبَتْ كَأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَخْلَعَ ثِيَابَهَا، فَكِدْتُ أَنْ أَشُقَّ ثِيَابِي عَجَلَةً لِلْخُرُوجِ مِنْهَا، فَتَجَرَّدْتُ، وَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَتِ: امْشِ إِلَى زَوَايَا الْبَيْتِ وَأَقْبِلْ حَتَّى أَرَاكَ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَإِذَا فِي الْغُرْفَةِ حَصِيرٌ عَلَيْهَا طَرِيقٌ، وَإِذَا تَحْتَهُ خَرْقٌ إِلَى السُّوقِ، فَإِذَا أَنَا فِي السُّوقِ قَائِمًا مُجَرَّدًا، وَإِذَا الشَّيْخَانِ الشَّاهِدَانِ قَدْ أَعَدَّا نِعَالَهُمَا، وَكَمِنَا لِي فِي نَاحِيَةٍ، فَلَمَّا هَبَطْتُ عَلَيْهِمَا بَادَرَانِي، فَقَطَّعَا نِعَالَهُمَا عَلَى قَفَايَ، وَاسْتَعَانَا بِأَهْلِ السُّوقِ، فَضُرِبْتُ وَاللهِ حَتَّى أُنْسِيتُ اسْمِي، فَبَيْنَا أَنَا أُخْبَطُ بِنِعَالٍ مَخْصُوفَةٍ، وَأَيْدٍ ثِقَالٍ، وَخَشَبٍ دِقَاقٍ وَغِلَاظٍ، إِذَا صَوْتُهَا مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ:

وَلَوْ عَلِمَ الْمُجَرَّدُ مَا أَرَدْنَا ...

لَبَادَرَنَا الْمُجَرَّدُ فِي الصَّحَارِي

قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا وَاللهِ وَقْتُ غِنَاءِ هَذَا الْبَيْتِ، وَهُوَ مِنْ آخِرِ مَا قَالَتْ، إِنَّهَا تُغَنِّي، فَلَمَّا كَادَتْ نَفْسِي تُطْفَأُ، جَاءَنِي بِخَلِقِ إِزَارٍ، فَأَلْقَاهُ عَلَيَّ، وَقَالَ: بَادِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ قَبْلَ أَنْ يُنْذَرَ بِكَ السُّلْطَانُ، فَتَفْتَضِحَ، فَكَانَ آخِرُ الْعَهْدِ بِهَا، فَإِذَا وَاللهِ أَنَا الْمُجَرَّدُ، وَأَنَا لَا أَدْرِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَى رَحْلِي مَصْحُونًا مَرْضُوضًا، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ عَنْ مَكَّةَ، جَعَلْتُ زُقَاقَ الْعَطَّارِينَ طَرِيقِي، فَدَنَوْتُ مِنْ تَابِعٍ، وَأَنَا مُتَنَكِّرٌ وَبَدَنِي مَرْضُوضٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ؟ قَالُوا: لِفُلَانَةَ جَارِيَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015