قَالَ عُثْمَانُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: وَسَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ قَالَ: وَسَمِعْتُ مَنَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ:

[البحر الرجز]

ادْعُ بِالْمَاءِ الرُّوَا غَيْرِ الْكَدِرْ ... سُقْيَا الْحَجِيجِ فِي كُلِّ مَبَرْ

لَيْسَ يُخَافُ فِيهِ شَيْءٌ مَا عَمَرْ

وَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَحْفِرَ زَمْزَمَ، قَالُوا: هَلْ بَيَّنَ لَكَ أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: ارْجِعْ إِلَى مَضْجَعِكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ يَكُ حَقًّا مِنَ اللهِ بَيَّنَ لَكَ، وَإِنْ يَكُنْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ لَكَ، فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَضْجَعِهِ فَنَامَ فِيهِ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، إِنْ حَفَرْتَهَا لَمْ تَنْدَمْ، وَهِيَ تُرَاثُ أَبِيكَ الْأَعْظَمِ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا، وَلَا تُذَمُّ، تَرْوِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ مِثْلَ نَعَامٍ جَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ، يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِيَغْنَمَ، تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمًا، لَيْسَ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، زَعَمُوا لِأَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ، حَيْثُ يَنْقُرُ الْغُرَابُ غَدًا، فَاللهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، وَغَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إِسَافٍ وَنَائِلَةَ -[19]- اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْهُ وَحْدَهُ: وَاللهِ لَا نَدَعُكُ تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: دَعْنِي حَتَّى أَحْفِرَ، فَوَاللهِ لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ، فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ وَكَفُّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى بَدَا لَهُ الطَّيُّ، فَكَبَّرَ وَعَرَفَ أَنْ قَدْ صُدِقَ، فَلَمَّا فَرَغَ وَبَلَغَ مَا أَرَادَ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحَاجِّ، وَعَفَتْ عَلَى الْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْتَقِي عَلَيْهَا الْحَاجُّ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ إِلَيْهَا؛ لِمَكَانِهَا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ الْمِيَاهِ؛ وَلِأَنَّهَا بِئْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَفَخَرَتْ بِهَا يَوْمَئِذٍ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ لِمَا وُلُّوا عَلَيْهِمْ مِنَ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَمَا أَقَامُوا عَلَيْهِ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ، وَإِنَّمَا كَانُوا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ شَرَفٌ، وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَضْلٌ وَلَمَّا انْتَشَرَتْ قُرَيْشٌ وَكَثُرَ سَاكِنُ مَكَّةَ قَبْلَ حَفْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ قَلَّتْ عَلَى النَّاسِ الْمِيَاهُ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْمُؤْنَةُ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015