حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: " حَجَّ الْمَهْدِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ كِسْوَةٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهَا قَدْ أَثْقَلَتْهَا، وَيُخَافُ عَلَى جُدُرَاتِهَا مِنْ ثِقَلِ الْكِسْوَةِ، فَجَرَّدَهَا حَتَّى لَمْ يُبْقِ عَلَيْهَا مِنْ كِسْوَتِهَا شَيْئًا، ثُمَّ ضَمَّخَهَا مِنْ خَارِجِهَا بِالْغَالِيَةِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ، وَطَلَى جُدُرَاتِهَا كُلَّهَا مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى أَعْلَاهَا مِنْ جَوَانِبِهَا كُلِّهَا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ كُسًا مِنْ قَبَاطِيٍّ وَخَزٍّ وَدِيبَاجٍ، وَالْمَهْدِيُّ قَاعِدٌ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ مِمَّا يَلِي دَارَ النَّدْوَةِ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهِيَ تُطْلَى بِالْغَالِيَةِ وَحِينَ كُسِيَتْ. ثُمَّ لَمْ يُحَرَّكْ وَلَمْ يُخَفَّفْ عَنْهَا مِنْ كِسْوَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى كَانَ سَنَةَ الْمِائَتَيْنِ، وَكَثُرَتِ الْكِسْوَةُ أَيْضًا عَلَيْهَا جِدًّا، فَجَرَّدَهَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الطَّالِبِيُّ فِي الْفِتْنَةِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ أَخَذَ مَكَّةَ لَيَالِيَ دَعَتِ الْمُبَيِّضَةُ -[264]- إِلَى أَنْفُسِهَا وَأَخَذُوا مَكَّةَ، فَجَرَّدَهَا حَتَّى لَمْ يُبْقِ عَلَيْهَا مِنْ كِسْوَتِهَا شَيْئًا. قَالَ جَدِّي: فَاسْتَدَرْتُ بِجَوَانِبِهَا وَهِيَ مُجَرَّدَةٌ، فَرَأَيْتُ جُدَّاتِ الْبَابِ الَّذِي كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَعَلَهُ فِي ظَهْرِهَا، وَسَدَّهُ الْحَجَّاجُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَرَأَيْتُ جُدَّاتِهِ وَعَتَبَهُ عَلَى حَالِهَا، وَعَدَدْتُ حِجَارَتَهُ الَّتِي سُدَّ بِهَا فَوَجَدْتُهَا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ حَجَرًا فِي تِسْعَةِ مَدَامِيكَ، فِي كُلِّ مِدْمَاكٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ، إِلَّا الْمِدْمَاكَ الْأَعْلَى، فَإِنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحْجَارٍ، رَأَيْتُ الصِّلَةَ الَّتِي بَنَى الْحَجَّاجُ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ حِينَ هَدَمَ مَا زَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ تِلْكَ الصِّلَةَ بَيِّنَةً فِي الْجَدْرِ، وَهِيَ كَالْمُتَبَرِيَّةِ مِنَ الْجَدْرِ الْآخَرِ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَرَأَيْتُ جُدُرَاتِهَا كَلَوْنِ الْعَنْبَرِ الْأَشْهَبِ حِينَ جُرِّدَتْ فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَحْسِبُهُ مِنْ تِلْكَ الْغَالِيَةِ. قَالَ: وَكَانَ تَجْرِيدُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ إِيَّاهَا أَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ السَّبْتِ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، ثُمَّ كَسَاهَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ كِسْوَتَيْنِ مِنْ قَزٍّ رَقِيقٍ، إِحْدَاهُمَا صَفْرَاءُ، وَالْأُخْرَى بَيْضَاءُ، مَكْتُوبٌ بَيْنَهُمَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الْأَخْيَارِ، أَمَرَ أَبُو السَّرَايَا الْأَصْفَرُ بْنُ الْأَصْفَرِ دَاعِيَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ بِعَمَلِ هَذِهِ الْكِسْوَةِ لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ " قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وَابْتَدَأَتْ كِسْوَتُهَا مِنْ سَنَةِ الْمِائَتَيْنِ، وَعِدَّتُهَا إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ ثَوْبًا. قَالَ مُحَمَّدٌ الْخُزَاعِيُّ: وَأَنَا رَأَيْتُهَا وَقَدْ عُمِرَ الْجَدْرُ الَّذِي بَنَاهُ الْحَجَّاجُ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، فَانْفَتَحَ -[265]- مِنَ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ الَّذِي بَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِقْدَارُ نِصْفِ إِصْبَعٍ مِنْ وَجْهِهَا وَمِنْ دُبُرِهَا، وَقَدْ رُهِمَ بِالْجِصِّ الْأَبْيَضِ، وَقَدْ رَأَيْتُهَا حِينَ جُرِّدَتْ فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَرَأَيْتُ جُدُرَاتِهَا كَلَوْنِ الْعَنْبَرِ الْأَشْهَبِ مِنْ تِلْكَ الْغَالِيَةِ