ولولا كتاب «الأوامر العلائية» الذى ألفه ابن البيبى فى ذكر أخبار هذه الدولة ووقائعها لمحيت صفحتها من الوجود، ولم يبق لها من أثر.
لقد ألّف ابن البيبى كتابه بأمر من «الصاحب علاء الدين عطا ملك الجوينى» حاكم العراق بعد انقضاء الخلافة العباسية فى بغداد (ت 681 هـ/ 1281 م)، كان الصاحب «عطا ملك» رجلا يعرف ما للتاريخ من أهمية وقيمة فى اكتساف المعرفة، وفى تحقيق التواصل بين الأجيال المتعاقبة، بل كان هو نفسه أول من ألّف فى تاريخ المغول حين أخرج كتابه القيّم «جهانگشاى» - أى فاتح العالم- باللغة الفارسية فى ثلاثة أجزاء، معتمدا على روايات شفهية موثقة من شهود عدول، وعلى وثائق فائقة القيمة، بهدف التعريف- بطريقة موضوعية وبنظرة حيادية- بهؤلاء الأقوام (المغول) الذين برزوا فجأة على مسرح الأحداث ولم يكن أحد يعرف من أمرهم شيئا.
ويبدو أن الصاحب عطا ملك خشى على أخبار دولة سلاجقة الروم أن تضيع وتندثر، فكلّف ابن البيبى بتدوين تاريخها حين رآه جديرا بالنهوض بهذا العمل بحكم قربه من مصادر صنع القرار فى بلاط السلاجقة ومراقبته للأحداث الجارية أمام عينيه من كثب، واطّلاعه على الوثائق والأسانيد المهمة، فامتثل ابن البيبى للأمر.
لكن الميل إلى إظهار القدرة على البلاغة غلبت ابن البيبى وهو يدوّن تاريخ تلك الدولة، فبالغ فى استخدام المحسّنات البديعية والصور البيانية، وبذلك احتجبت الأحداث التاريخية وكادت أن تختفى تماما وراء هذا الركام الهائل من المحسنات والصّور، فضلا عن أن المؤلف حشد كتابه بالعديد من الشواهد والأشعار العربية؛ مما أدى إلى تضخم حجم الكتاب، وجعل قراءته مهمة صعبة عسيرة.
ورأى رجل- عاش فى عصر ابن البيبى وما زال اسمه مجهولا حتى الآن- أن يختصر الكتاب ويهذّبه، فحذف ما فيه من حشو وزوائد، واقتصر على مجرد توصيف الوقائع وبيان الأحداث التاريخية، مستخدما الألفاظ نفسها التى استخدمها ابن البيبى، وأطلق ذلك الرجل المجهول على عمله هذا عنوان «مختصر سلجوقنامه».