كان الصّاحب القاضي «عزّ الدين محمد الرازي» لما عرف به من علوّ الهمّة وفرط الفصاحة وكمال الديانة، يلحظ في نظر السلاطين وخلفاء العهد بعين الرّأفة ويحظى بكل احترام. كان كفؤا للأمور العظام وتدارك المهامّ الجسام وإنارة حدود الإسلام. ولم يكن هناك من أحد سواه تسند إليه الوساطة والسّفارة إلى دار السّلام. كانت القشّة في محكمة قضائه ومجلس حكمه في أمان من تعرّض جاذبة القش (?)، وذوائب الحسان من أرض الخطا ساكنة بمنأى عن تشويش ريح الصبا بسبب يمن رأيه الصّائب. كان في السّخاء والكرم بحر خضمّ، وفي القلب والفكر كله لام ونعم:
إن الألي طلبوا مداه تأخّروا ... عن غاية فيها النّياق رهان
فلمّا صدرت عن الصّاحب «الطّغرائي» تلك البوادر (?)، وتغير عليه خاطر جلال الدّين «قراطاي» وسائر الأمراء، لم يكن يستحقّ مسند الوزارة أحد في البلاد كلّها سوى القاضي «عزّ الدين»، وبدا للأمير «جلال الدين» وكبار رجال السلطنة بعامة أن إجلاسه على مكانة الحكم والمنزلة أمر لازم، إذ
فلم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها
وبالاتفاق والاختيار، بعد التشاور والاختبار وضعوا زمام مرام الخاصّ والعامّ في كفّ كفايته، وكان هو يسير في تمشية تلك المهمّة على سبيل/ الوجوب ووفق مقتضى الرأي المرضيّ الحسن.