قد نقل [إلينا] من أفواه الثّقاة أن «بابا اسحاق» الخارجي كان من منطقة «كفر سود»، من مضافات قلعة «سميساط»، وكان يدور برأسه منذ مبادئ الشباب ولوع بالرّواية واصطياد المريدين. وكان ماهرا في صنعة الشّعبذة والسّحر، وكان مشغولا دائما بدعوة الأتراك الجهلة الذين إن سمعوا- باليسير من التمويه- عن فقيه سفيه ومفتي مفتن، احتشدوا وأعلنوا الموافقة والقبول. وكان دائم البكاء، ظاهر الورع، هزيل الجسد.
فلما انقضت مدّة وأقبل عليه خلق كثيرون، وصاروا من مريديه والمعتقدين فيه، جال بفكره أنّه لو خرج بذلك العدد من الأتباع لن يكون لمصباح كذبه ضياء. فتوارى فجأة عن الأنظار. وبعد مدّة ذاع صيته في بعض قرى «أماسية»، وكان أول ما وصل إلى تلك القرية يرعى الغنم لأهلها، ويظهر الأمانة والورع، ولا يقبل من أحد شيئا، وكان يقنع من القوت بالقليل كلّ يوم. وبلغ في تورعه منزلا جعل كل امرأة ورجل مقيّدين بقيد أنشوطة الاعتقاد فيه. وكان إذا أصاب أحدا ألم أو حزن، أو وقع نزاع بين امرأة وزوجها يكتب تعويذة إذا رجعوا إليه، ويعطيهم إيّاها، فيتحوّل ذلك كله في الحال إلى راحة واستقرار.
ولما كثر أتباعه وأشياعه خرج من القرية، وبنى صومعة على تلّ قريب منها، وشغل هناك بالإرادة (?) والتنسّك، ولم يسمح لأحد بالدخول عليه اللهم إلّا لعدد قليل من المريدين. وكان يظهر أنه قد عزف كليّة عن الطّعام والشراب، واختار الصبر على الجوع والعطش، وأخذ يبعث بالمريدين إلى كلّ ناحية حيث