فأمسكوا بمشعل لاستيضاح سبب هذا الهرج والمشغلة (?)، فرأوا أنّ حبال المنجنيق قد تدلّت من ذلك البرج والبدن اللّذين فوضت حراستهما إلى ابن الدّيناري، وأنّ الخيانة حلت محل الأمانة. وفي تلك اللّيلة عاد العساكر خائبين.
وفي اليوم التّالي عقد أكابر المدينة اجتماعا، وقالوا إن ابن الدّيناري- وهو الركن الأوثق في الحراسة- اختار المخالفة وليس لنا من سبيل لأخذه وتوبيخه.
والرأي هو أن نسلّم القلعة برضائنا كي لا تصبح الآية الشريفة: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (?) وصفا لحالنا. ثم أصعدوا شخصين أو ثلاثة إلى أعلى السور. فنادوا قائلين: ابعثوا بناصر الدين نائب ملك الأمراء إلينا عند «باب الماء». فذهب ناصر الدين إليهم، وكان قاضي المدينة و «نجم الدين ابن جبير الجار» و «المقدّم جعفر المنجنيقي» وغيرهم من كبار الشّخصيات قد حضروا، فقالوا له: لو تحمّلت بعض التعب وأبلغت الأمراء السّلام لكي يتجشموا المشقّة ويأتون إلى هنا لحظة.
فلمّا حضر الأمراء نزلوا من أعلى إلى أسفل، وجعلوا الباب مواربا حتى نصفه، ثم أقبلوا على الأمراء فصافحوهم وعانقوهم. وبعد القيل والقال التزم الأمير «ظهير الدين» بإنجاز مطالبهم وأكدها بأقسام القسم وأنواع الأيمان. وظهر الإصلاح الكامل بين الجانبين.
وفي اليوم التّالي دخلّ كل أمير بجنده ورايته المدينة، ونصب أعلامه على سور «آمد» /، وضربوا طبول البشارات ثم إنهم ذهبوا إلى قصر السلطنة، وجعلوا النّاس يقسمون- الواحد تلو الآخر- على الولاء للسلطان غياث الدين وطاعته