وفي هذه الأثناء وصل من «علائية» مكتوب بأنّ سلطان العالم إن لم يحرّك ركائبه بسرعة فسوف يفلت عنان حكم «العلائية» من يد مماليك/ السلطنة، إذ أنّ محافظ القلعة- ولو علق جسده في حبل المشنقة لكان أولى- قد كفر بالنّعمة ويزمع أن يسلّم القلعة للقبارصة، فاندهش السلطان لهذا الكلام ولازمه التّفكير وقال: أيقع اختياري على من لا أصل له وأجعله رئيسا وحاكما على صدور الناس/ ومن تزكى منهم، ثم يضمر مثل هذا الغدر الذي ليس له من عذر، إن هذا لشيء عجيب. وركب في الحال على بغل يشبه في سيره ريح قمم الجبال، وبرفقته بعض/ الخواصّ، ولحق بالعلائيّة بعد ثلاثة أيام، وأظهر كأنّه لم يسمع بشيء، لكنه شغل في السّر بالتفحص واستكشاف الأمر، فلما تحقّق أنه خائن غادر، وشهد الأئمّة والحفّاظ في مواجهته، وأفشوا مسارب تدبيره وكشفوا عن فكره، وعلم أنه الحقّ الصّراح، أمر السلطان في الحال بأن يحملوه إلى البرج ويمزّقوه إربا إربا، وأن تعلّق جثته بما نالها من خزي جزاء ما فعل. وصار كلّ من كان شريكا له في تلك المقالة قرينا له في نفس الأمر.
ولمّا سمع ملوك السّواحل بتلك العقوبة، بعثوا على الفور من كلّ صوب بالخراج والجزية لخدمة مالك العرش والتّاج.
وظلّ السلطان طيلة شهرين هناك يقيم الحفلات الملكية تارة، ويبرم أمرا مقرونا بالتّوفيق تارة أخرى. ثم جاء من هناك إلى أنطاكية وظلّ هناك أربعين يوما أخرى، ثم أمر أن تمكث العساكر المنصورة في أوطانها ومساكنها مستريحة مرفّهة مدّة سنة.