حين قدمت المظلّة المستولية على العالم من العاصمة إلى قيصريّة، دخل فجأة من باب المحكمة تاجر كان برأسه دوار من جّراء سعيه حول العالم كالكرة وراء النّفع والضرّ، فقد كان يداوم على عبور البحر، ويلقي بنفسه مستسلما فوق الماء كزهرة «النّيلوفر» (?) رغبة في تحصيل الذّهب؛ فأطلق لسانه بالثّناء كالسوسن، ورفع يده بالدّعاء كالرّمان، وقال: قد اخترت- أنا العبد الفقير- التّعب في طلب الرّزق، ولم أر للسّعادة والطّرب وجها في ليل أو نهار، وصرت أجرى وأركض خلف القوت (الذي ما تحصّل أبدا) فوق رطب الدنيا ويابسها، وأضعت العمر العزيز بددا في الجرى وراء الكثير والقليل لإشباع ما بالبطن من جوع. واتّفق لي أن ادّخرت في قصر الفناء (الدنيا) بضعة دراهم بمئات من ضروب الغصص وصنوف المتاعب والآلام/، وأخذت أتسمّع وأنا في ديار القفجاق والرّوس إلى ما اشتهر به هذا البلاط من عدل وشرف، ومن اغتباطي بذلك ولّيت وجهي صوب هذه الأعتاب، وأردت أن أعبر البحر، فلمّا بلغت معبر «الخزر»، أخذوا مني كل مالي الذي أنقصت عمري في تحصيله.
ولم يكن قد أتمّ كلامه بعد حتى بدأ شخص آخر في الجهر بشكواه قائلا:
كنت قد عقدت العزم على القدوم إلى هذه النواحي من جهة «حلب»، فلمّا