حين تبيّن للملك مسعود أن القلاع التي كانت سندا لإقباله وجناحا لطائر حاله قد أخذت زخرفها وازّينت براية نصرة السلطان وأعلام سلطنته، شرع في البكاء على عرشه، وندم على ما كان قد فرط منه من تقصير. ورأى المصلحة في أن يبادر- قبل أن يذهب نصف الملك، الذي قد بقي، من اليد دفعة واحدة ويفلت مركب السّعادة من القدم- فيمسك بتلابيب حماية السلطان/ وكرمه ويسلك طريق الإخلاص والتّفاني متبعا في ذلك قدماء الرّجال العظام من أسرته.
فاختار رسولا فصيح اللسان بعث معه برسالة ملؤها التمني وطلب الأمان، مع خدمة تليق بالسلطان من اللآلئ والجواهر البرّاقة والخيول والغلمان والملابس الملوّنة وأسفاط العنبر والكافور إلى حضرة السلطان، واستغفر لذنوبه، والتزم بأن يرسل كلّ سنة أموالا وأحمالا مجهّزة إلى الخزانة، ويشدّ حزام الانقياد على وسط الروح إن كلّفه السلطان بمهمة. فلحق الرّسول بالدّيوان، ونال ودّا. قال السلطان: ما ظهر كدر في مشارع عواطفنا إلا بسبب طيش الملك مسعود وحماقته، أما وقد دخل من باب الاعتذار فقد سلكنا نحن بدورنا طريق العفو، فتجاوزنا عن سيّئاته، فإن رفع رأسه بالعصيان ثانية وبذر بذرة الكفران في أرض الإيمان فجزاؤه مثل ما رأى، بل ربما شهد ما هو أسوأ: «وللآخرة أشد عذابا وأسوأ تنكيلا» (?)
ثم سمح للرسول بالعودة، وولىّ السلطان وجهه للمصيف في مروج السّواحل التي هي بالجنّة أشبه منظرا.