وأجلساه على كرسي سبق وضعه على درجة العرش، ووضع حمّالو دار الخلافة الأحمال على حافة الصّفّة، وسحبوا الجنيبة- وقد ألبست رداءها المرصع- على الصّفّة. وأنزل السلطان من فوق العرش، وتسلّم في ذلك الحجاب ركاب جنيبة حضرة الخليفة تعظيما وتوقيرا، وارتدى خلعة الخلافة. وأخذ محيي الدين بيد السلطان وأجلسه على العرش ثانية. ثم ما لبث الفرّاشون أن رفعوا الحجاب، فنثر الأمراء والقادة تحفا من الذهب، ومدّوا بساط السّماط.
وبعد تناول الطّعام وتبديل الرّفع بالوضع طلب محيي الدين الخلوة، ثم بدأ الكلام فحمد الباري وصلى على روضة المصطفى ودعا لحضرة الإمامة وأثنى على حضرة السلطان ثم قال: إن أمير المؤمنين يبعث بالسّلام لملك الإسلام، ويقول إن جيش التّتار ما إن فرغ من محاربة محمّد خوارزمشاه حتى استمكنت قوّته واستحكمت شوكته، وقد نما إلينا أنهم يقصدون هذه الحدود، فلو أن السلطان سيّر ألفي فارس من بلاد الرّوم إلى هذه التّخوم برسم النّجدة، احتياطا واسما، لكان في هذا مصلحة للملك والملّة. قال السلطان: سمعا وطاعة، يتم اللّازم ويرسل على أسرع حال. فعاد الرسول إلى محل إقامته فرحا مسرورا.
وتوجه السلطان- بهيبة ووقار- إلى قصر الخلوة، فاستدعى الأمراء الكبار، وقال: كان اعتقادنا في بعد غور أمير المؤمنين ودرايته أكبر من هذا، إذا لا تجوز مقابلة جيش كسيل العرم لدولة جديدة وحظّ فتيّ- وهو جيش قد هاج وماج كبحر من النار- إلّا بالمداراة. ولعل الأصوب أن يشير أمير المؤمنين/ بأن يتجمّع من كل إقليم رسول بالتّحف والهدايا في موضع معيّن فيلتقون جميعا كالنّجوم في برج السّعادة، وينطلقون في صحبة رسول أمير المؤمنين إلى حضرة الخان، ويعتذرون إليه بأن سلاطين البلاد لو قدموا إلى حضرته بأنفسهم لحل ببلادهم